مذكرات بيشمركة / 94 / من حوض روست الى طهران العاصمة الإيرانية ..! / سعيد الياس شابو / كامران

2020.07.12

أجواء المنطقة تغيرت تدريجيا ونحن في أواسط سبتمبر/ أيلول من عام 1983 ، وخاصة بعد أن حطت ووضعت الحرب العراقية الأايرانية أوزارها في المنطقة والجسر الجوي المستمر للقوات العراقية وسمتياتها في منطقة حاجي عمران وضواحيها .. كؤدو .. كردمند ، بحيث بدل رائحة الجوز والكمثري العرموط .. والمشمش والتفاح والعنب والتين والسماق والعسل ( والأستقرار النسبي ) في المنطقة .. ليحل محلها رائحة الدمار والخراب والبارود و ( الزفر ) السياسي والعسكري والبيئي أن صح التعبير!! تدريجيا محت وأختفت الأبتسامة عن وجوه الناس من أهل قرى المنطقة والرفاق الأنصار والبيشمركة على حد سواء .. الكل يحسب الحسابات القادمة والمستقبلية !! الردة ومردوداتها .. فالكثير من الأهالي الذين عمروا بيوتهم وقراهم أصبحوا في حيرة من أمرهم بين الخيارين .. أحلاهما مر !! مر علقم فيما لو بقوا في منطقة الحرب والمصير المجهول ! والأمر منه ترك متاعب السنوات والمحاصيل السنوية التي يتأملها الفلاح القروي وخاصة الزراعية منها .. وتركها دون الأستفادة منها !!

وفي ذات يوم أيلولي .. ومع الرفيق هيوا .. كنا متوجهين من سميلان الى روست المقر .. وإذ في منصف الطريق نرى عائلة متكونة من رجل وأمرئتان .. أي متزوج من أثنتان وهم أي العائلة متحزمة ومتهيئة للرحيل !! أدينا السلام والتحية .. مناديننا .. تفضلوا بتناول قدحا من الماء البارد .. أو طاسة شنينة ( ماستاو ) اللبن ....... فلبينا طلبهم ونحن بحاجة الى معرفة المزيد ونيل قسطا من الراحة ........ ، وكأنهم توقفوا عن الشهيق والزفير!! سألونا حائرين بخصوص الوضع والأوضاع في المنطقة ومستفسرين عن المستقبل الذي نحن بحاجة الى معرفته! وبعد شرح من قبلنا .. وهم أي العائلة كانت محتارة بين الأختيارين .. العودة الى المجمعات التتي قدموا منها ( ملا ئؤمه ر ) و ( حرير ) .. أم الرحيل الى إيران الدولة الجارة ! والمنظر الذي شدني أكثر .. إحداهن من يمينه والثانية من شماله أي زوجتاه الجميلات الحائرات وزوجهم الذي يتوسطهما !

واصلنا الطريق للمقر ونحن نتبادل الأحاديث .. لم تحولت جبهة الحرب الى هذه المناطق الجبلية والبعيدة عن النفط والمدن الحظارية والكثافة السكانية ؟؟؟!!! ونتيجة الأوضاع التعيسة بكامل تفاصيلها أي الأنصارية منها والوضع بشكل عام ، كنت قد قررت من أن أنال قسطا من الراحة والى المجهول ( المجهول )! ومتحدثا الى الرفاق المسؤولين في طرح وتبيان وجهة نظري وما يجول في خاطري .. فلم يمانعني أحدا سوى ذات العلاقات الأقرب مستفسرين عن الوجهة التي أختارها !

وتسير الأيام وتمر كئيبة .. وليعلن فصل الخريف عما يحمله في خلده ويفرض ذاته على المنطقة .. ومفرزة رفاق محلية أربيل والرفيق توفيق حريري .. تحركت المفرزة صباحا ونحن في القسم الأول لشهر تشرين الأول العاشر وربما أكثر بقليل من عام 1983 . ومتجهين من مقر روست ومن ثم مقر ( كؤشينة ) والرفاق عند التوقف عندهم !!بحيث كانوا مستيقظين بأجساد متقلصة و منكمشة على ذاتها .. بحيث برودة الطقس ليلا والخيم لاتفي يالوضعية الطقسية السياسية والعسكرية ومقاومة بيئة المنطقة وما اليها من أمور أخرى ومنها التموينية !

توقفنا لدقائق .. وإذ بالرفيقين العزيزين الى جانب كل الرفاق الأعزاء .. مخرجين كل من الرفيق ( آزاد ملا عزيز و كؤران ) الفارسين العنكاويين .. من جيوبهم الورقة النقدية ذات الخمسة وعشرين دينار ( 25 ) عراقي .. واضعياها في جيبي عنوة وهما يقدران الوضعية عندما تختار المجهول من مكان ما كطريق للمستقبل الشائك ! مشكورين الرفاق على موقفهم النبيل والجاد ، ما قصرتم .

واصلت مفرزتنا طريقها وبعد ساعات من المسير وفي ( الكويستانات ) مناطق الرعي الخضراء المعتدلة نهارا و الباردة ليلا .. ومقابل الينبوع الذي يتوسط الطريق بين روست وليلكان والذي يمتاز بتلك الأشجار الكبيرة والمثمرة للجوز والتي أصبحت محطات أستراحة لنا وللآخرين من السابلة القادمين والذاهبين الى المناطق الأخرى . بينما المفرزة مستمرة في خطواتها المثقلة بالمتاعب .. وإذ ب ( غنم / غنمة ) ميتة متروكة على الأرض الخضراء .. دون أن يمسها طيرا كاسرا ، حيوانا مفترسا ، سابلة من البشر و دون رائحة كريهة .. ولم نعلم وقت وسبب غيابها عن الحياة !! وكأنها هبة من الله والفلاحين الرعاة .. وبعد مشاورات الرفيق توفيق حريري مع كاتب السطور .. حول الأستفادة منها ونحن لم نتناول وجبة اللحم حوالي شهر بسبب أوضاع المنطقة الغير مستقرة ! وبعد دردشة أتفقنا من أن يكون موقعها على رأس حمل البغل ( سه ر بار ) وهي لا تتحرك ساكنة .. ونحن في المؤخرة ، أي مؤخرة المفرزة ! والمسير مستمر والحلم بتناول وجبة الشوي أي اللحم المشوي في المساء أصبحت تزودنا بالطاقة الأضافية للمسير وشحن الخلايا بالرغم من أننا لم نتناوله بعد ! وأستمر المسير ولكن بمناقشات أجتماعية وصحية ودينية وشخصية وصراعية .. حول أكل لحم الغنم الحيوان الميت حلال أم حرام ؟؟!!. وأختلفت الروايات والآراء الى أن بلغنا موقعا .. فيه ما يكفي من الحطب لأشعال نار على طول الليل وحتى الصباح .. ومن ثم أقطع .. قطعة .. قطعة لحم اللي تعجبك وأشوي وكانها مذبوحة على الطريقة الشرعية ولم نعلم من أن فطسها أي الغنم جاء منذ دقيقة أو ساعة أو يوم !!! .

وعند تحويل النار الحطبي الى الجمر والجمرات ... واللي يأكل اللحم المشوي أبد ما مات ! منظر جميل ورائع والرفاق دون الفراش على الأرض الطيبة وقاطعين مسافات سيرا على الأقدام مع حمولتهم وحرمانهم من النوم واللحم وأمامهم طريق بعيد وبعيد !

وبعد ( تحتحة ) وأنتشار رائحة الشوي للحم الطيب والذيذ .. سرعان ما أنقسم الرفاق أي رفاق المفرزة ونحن حوالي 12 نصير بيشمركة الى قسمين !! أي مؤيد ومعارض لفكرة الحلال والحرام ... رفاق المعارضة أمتعاضهم وغضبهم تصاعد كثيرا من الوضعية .. ونحن نهدئهم ! طيب رفاق ما يعجبكم اللحم أكلوا خبز وشاي والمعلبات !! وتشتد الوضعية من قبلهم .. لكونهم ليس فقط لا يأكلون اللحم ! بل رائحة اللحم المشوي والذي ملآ المنطقة برمتها يؤذيهم أكثر ! وكانت مراود البنادق خير وسيلة للقيام بواجباتها في ذلك الليل وحتى الصباح !

الرفاق لا يزالون في طور التهيئة للتوجه الى ليلكان ومن ثم الى بارزان حيث المقرات والتي سبقونا في أختيار مواقعها ، فاما أنا وجهتي الى حدود الجارة إيران ، الجمهورية الأسلامية الأيرانية والوقت تداركنا مع الرفيق هيوا وهو رافقني للتوديع الى المجهول !! وفي الطريق صادفتنا سيارتان جبليتان على شكل سازوكي اليابانية .. نازلتان من جبل ( كيله شين ) الى الأراضي العراقية كوردستانيا محملة بالأخوة من الحزب الديمقراطي الكوردستاني وفي أحداهما الرئيس كاك مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني / العراق .. حيث أدينا السلام والتحية والتركيز بالنظرات على بعضنا الآخر دون معرفة المزيد .. أي نحن صاعدين وهم نازلين ... وأدركنا مع الرفيق هيوا الوقت بحيث كان الوقت يميل للمساء والرشمالات لا تزال في المراعي الكويستانية بالقرب من منطقة بيركمة ، وفي ذلك المساء حلينا عليهم ضيوفا مرحبين بنا ، والعشاء الكويستاني لا يخلو من الطبخ مساءا واللحم المقلي والمحفوظ في بستوكة ومملح بشكل جيد لكي يقاوم فترة زمنية أطول لكي لا يفسد كالحكومات !! وكانت ليلة باردة بالرغم من وجود الفراشات الجيدة ، وفي الصباح تناولنا الفطور والذي تميز بالصناعة المحلية من الجبن واللبن والبيض والقشطة والخبز الحار ودفو النار للموقد القريب من موقع الخيمة الكبيرة .

ودعت الرفيق هيوا ليعود الى منطقة ليلكان حيث مقر الرفاق في الجبل و عوائل الرفاق أبو دلشاد وهزار روست وأخيه عبدالله وعوائلهم في الموقع الذي يبتعد عن القرية لعشرات من الأمتار .

فأما كاتب السطور .. مسك الطريق الصاعد الى جبل كيلة شين حيث تلك الصخرة الخضراء أو الحجر التأريخي والتي تقسم الجبل الى حدودين العراق وإيران ، والذي مكتوب عليه وكأنها مسلة حامورابي ! ومن ثم النزول الى الجانب الآخر الأيراني ومن ثم ركوب سيارة الأجرة الى مدينة شنؤ ( أشنوية ) الجميلة حيث المكوث فيها .

وفي مقر أشنوية حيث تواجد كاك فرنسو حريري العضو القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني / العراق ( حدك ) والأخوة البيشمركة المتواجدين في المقر والذين رحبوا بي أيما ترحيب وكانت للوهلة الُاولى ألتقينا معا .. بعدما أوصلنا مفرزة الرفيق أبو عادل الشايب بقيادة الرفيق مام خضر روسي ، وهذه للمرة الثانية ، وفور وصولي المقر .. أبلغوا كاك فرنسوا الحريري بذلك أي بقدوم كامران ، فدعاني كاك فرنسؤ الى غرفته ، ومستفسرا عن الحال والأحوال والوضعية وسبب قدوم رفاقكم أي رفاقنا الى ترك الساحة و طلباتهم للحصول على عدم التعرض الى طهران والمدن الأيرانية الأخرى .. وضحت الوضعية بشكل واقعي وصريح دون لف ودوران !! وكاتب السطور مبديا ومصرا على مبدئه ولكن الوضعية بهذا الشكل ، ومبديا كاك فرنسؤ تفهمه ومبديا كمسؤول حدك في الموقع ، كل أستعداده لتقديم يد المساعدة لكل الرفاق واللذين قصدوا المقر لم يبخل المقر بحق أحدهم !!

كاك فرنسو .. ماذا تفعل كامران ؟ كامران .. في الحقيقة لا أعلم وأنا بحاجة الى قسطا من الراحة ! مبديا أرتياحه وأستعداده وناد على الأخ ( هه ور حسن نوفل ) كان مسؤول المجموعة بعد الأخ كوركيس يلدا والذي كان في بيته في زيوة بحكم تكوين العائلة الجديدة ، فقدم كاك ( هه ور ) سمعا وطاعة .. (به لئ كه وره م ) .. نعم سيدي .. ومستمرا كاك فرنسو .. كامران ضيفكم .. وهو مسؤولكم في الوقت ذاته ما تخرجون من كلامه أبدا ولا تزعجوه ! مفهوم .. !! وتبلغ كل البيشمركة المتواجدين في المقر!

مدينة أشنوية كانت مركز المقاومة للوضعية المفروضة تحت حكم الباسدارية والصراع والقتال الداير بينهما ، وفي كل ليلة والمدينة لا تخلوا من الهجومات والرمي المتبادل والكمائن بين قوات ( حدكا ) الحزب الديمقراطي الكوردستاني الأيراني ورئيسه الدكتور قاسملو ، وبين قوات الباسدارية واللذين يرمون بالرصاص الحي على كل شيء وحركة ليلية يرصدونها !! . وبعد نيل أسبوع من الراحة في المقر مع الأحبة والأخوة البيشمركة ... هلمت ، هه ور ، هيرش ، سفين ، توانا ، هندرين ، جميل ، نؤيل ( نوكا ) ، سابير صاروخ والأخوة الآخرين .. قررت السفر الى العاصمة طهران وبأجازة مدتها أسبوعان !! ودعت كاك فرنسو والأخوة الموجودين في المقر ومبدين أمتعاظهم أو بالأحرى أستيائهم لما حصل .. أي لم يرغبوا بسفري وتركهم .. لكونهم تعودوا علية وتعودت عليهم ومتأثرين بالواقع ! ومبديا كاك فرنسوا فيما لو تحتاج أية مساعدة .. ويقصد أنا أحتاج النقود للسفر ومستمرا بالحديث .. كامران .. أنا أخيك الكبير وعلى طول الخط و عندما لا تفلح بالسفر الى الخارج .. فبأمكانك الرجوع الينا ضيفا مرحبا بك على الرحب والسعى !!.

ودعتهم بقلب حزين وكسر الخاطر كما ودعت رفاقي الشيوعيين .. وفي جيبي مبلغا من المال حوالي مئة دينار عراقي حولته الى التومان الأيراني .. وعدم التعرض .. وشراء تذكرة السفر في الترمينال النقليات ومن رضائية .. أورمية المحافظة الهادئة والجميلة ، كانت حركتنا والى بلوغنا طهران العاصمة وكانت الساعة تشير الى السادسة والسابعة صباحا بعدما خرجنا من رضائية بين العصر والمساء .. والزمن هو حوالي منتصف شهر 11 نوفمبر / 1983 . وفي جيبي عنوان لأبن العم بويا كوركيس وعائلته و الأخوة .. فريد جورج باسيل و عادل حنوش ولوقا بطرس حيث يسكنون بالقرب من ميداني آزادي / ميدان الحرية وبالضبط في دير مار بهنان أو مار بهنام ، حيث مقر سكناهم المؤقت ولم يكونوا لوحدهم في هذا الموقع بل هناك الكثير من اللاجئين ( المسيحيين ) تصادفهم في الذهاب والأياب وفي الكنيسة عند القداديس في أيام الأحد .

... موقع جميل للدير المذكور حيث أقامة سيادة المطران .. وبعد الفطور ألحوا الأخوة عادل و فريد من أن نزور الرجل الديني في غرفته وكاتب السطور رافظا الزيارة لكونه يكتفي بالوضعية التي هو فيها ! إلا أنهم أصروا على الزيارة والمديح له أي لسيادة مطراننا الكلداني الموقر والذي لا أتذكر أسمه الكريم .. سمعا وطاعة .. أدينا الواجب .. فدخلنا بسلام والمصافحة .. ومن ثم قدموني كضيف جديد قادم من الجبال ( العراقية )!! ولم ينتهوا من التقديم والتعارف .. إلا أنه سيدنا المطران مبديا أمتعاضه الحقيقي !! أنا لا أقدر من أن أساعدك بأي شيء وفي كل يوم والعراقيين قادمين الينا طالبين يد العون والمساعدة ! وصعدت الحماوة لدى كاتب السطور مجاوبا ورادا بالتي هي أحسن ..... ومن قال لك من أنني بحاجة الى المساعدة ؟! ومن ثم سيادتك تمثل المسيح ( الرمز المسيحي وممثل الكنيسة ) فواجبك من أن تساعد المحتاجين حسب أقوال سيدنا المسيح .. وتذكر كاتب السطور المفارقة بين مام أحمد روست ( المسلم ) والذي قال لكاتب السطور كامران .. من أن الزكات لهده السنة .. أي الخمس للمسلمين من أهالي القرية لك ومن حصتك ! وسيدنا المطران الكريم يقول ليس بأمكاني من مساعدتك وأنا لم أطلبها قط!

خرجت دون أن أودعه ومتعصبا على الحالة السلبية وأنا لم أطلب شيئا يذكر وعكر المزاج العام والخاص وأنا في اليوم الأول في العاصمة طهران .

دردش الأخوة كيفية مسواقهم والحسابات اليومية والكلفة والتقنين في المصاريف وحصة كل فرد الواقع على عاتقه والواجبات التي ينبغي ويجب من أن يقوم بها ! نزلنا الى طهران الجميلة وأسواقها (وباركاتها) أي حدائقها المنتظمة والجميلة والنظيفة بالرغم من الحرب الدائرة والصواريخ التي تسقط على العاصمة في القصف الطيراني العراقي وما الى ذلك من أساليب الدمار الحربي !

قضيت أسبوعين في طهران وزيارة (كوجة مروي ) الموقع الذي يتجمع فيه العراقيين ، والشاي على الحطب وشوربة العدس في عربانات صنعت خصيصا للكسبة ، ودكاكين تزوير الوثائق والحصول عليها مقابل مبالغ مالية !! لم تعجبني الوضعية أبدا !! والأخوة فريد وعادل أبديا أستعدادهما لأنصاف ما يمتلكانه من النقود ومساعدتي بالخروج معهم الى الخارج .. وبإلحاح شديد وإصرار على موقفهم النبيل دون التراجع ! إلا أنني شاكرهما على موقفهما الذي لا يزال في ذهني وفي قاموسي الشخصي !

تطاير المبلغ الذي كنت حامله في جيبي ! لكوني أصرف وأسرف !! مما راودتني فكرة العودة الى أشنوية .. ولا أؤثر سلبيا على الأخوة فريد وعادل ولكي ينقذا نفسهما من الوضعية الغير المستقرة في إجمهورية أسلام الأيرانية ، وهناك ألتقيت في الكنيسة .. القس رمزي والذي ساعد العراقيين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص وفي كافة جوانب الحياة والمتطلبات التي يمكن الحصول عليها .

قرار العودة الى أشنوية ..

من جديد ضيف مرحب بكاتب السطور في مقر كاك فرنسوا ، الأخ الكبير والأخوة الآخرين .. فكان الترحيب أقوى من السابق بحيث أصبحت الضيف وصاحب الدار في آن واحد !! وشد حيلك كامران فعليك تجاوز كل المصاعب وحوالي في شهر ال ( 12 ) دسيمبر كانون الثاني تحول مقرنا من مدينة شنؤ الى مجمع زيوة الشهير والذي بني في عام 1975 لما تبقى من البيشمركة وعوائلهم من الحركة الكوردية أبان أنهيارها !

وفي زيوة كانت الأوضاع أهدأ بكثير من مدينة شنؤ .. وكثرة المعارف والحركة والقرب من مدينة رضائية .. كلها أسباب مترفهة نوعا ما لو لا الطقس الجحيمي وكثرة سقوط الثلوج والرياح والمخيمات التي تحمل أهلها كل أساليب القسوة لما تعنيه الكلمة من المعنى .

ومن ضمن العوائل التي تعارفنا على أهلها الطيبين قبل هذه الأوقات .. عائلة العم سعيد ميرخان ، مام جبلي ( جبؤ ) ومام يلدا ومع كافة أفراد عوائلهما بالأضافة الى الأخ سركيس آغا جان والرئيس أيو والآخرين من عوائل بديال والقادمين للسفر تدريجيا الى الخارج .

وفي ذات يوم شتائي قارس توجه الينا الرفيق لويس شاكر ( نوشير ) في زيارة وإذ بالخبر الصاعق والذي لم يحسب له حساب من قبل الرفيق نوشير .. موجها كلامه لي .. ألا تعلم ماذا حصل في عنكاوا ؟! كاتب السطور .. كلا ! ماذا حصل ؟ أي أخت الرفيق سامان قتلوها !! أخت توفيق يوسف حكيم ويقصد ( منيرة ) بنت العشرين عام وهي أخت زوجتي أم فيدل وأبنة خالي وأبنة عمتي !!!! وكان الخبر كالصاعق نزل في الصميم ، بحيث لأازمتني وضعية صعبة وصدمة مؤلمة وقوية .. و راجعت أكثر من طبيب وتخطيط القلب والعلاجات لم تكون مجدية أبدا !

ومرت أشهر ثلاثة ونحن في بداية الشهر الرابع من عام 1984 ميلادية ، بحيث أبلغونا بالتهيئة للمفرزة وبالمناسبة سألوني حول رغبة بذلك من عدمها ؟ وكانت الأجابة لم لا ولنخلص من هذا الروتين اليومي والممل للحياة اليومية والسماع لأخبار غير سارة؟!

.... المفرزة كبيرة والمتكونة من الأخوة والسادة القياديين .. فرنسو حريري ، روز نوري شاويس ، فاضل ميراني ، حميد أفندي ، فريدون جوانروي وآزاد قرداخي والبيشمركة الحمايات ........ والحركة من رازان والى مناطق السليمانية وتوابعها حيث الفرع الثالث والرابع للحزب الديمقراطي الكوردستاني ومسؤولهما القيادي نادر هورامي ، وعبر مدن كوردستان إيران وبحافلات والسير على الأقدام وعبر المناطق القتالية بين العراق وإيران ، قاطعين المئات من الكيلومترات وبمراحل أربعة أو خمسة !!!!! وبالنسبة لي كانت الحالة مرحب بها لكوني لم أرى أكثر تلك المدن الحدودية والقرى والجبال لكوردستانين العراق وإيران الجارتان !! وصلنا الى قبر المطرب الرائع والراحل مقابل مدينة بوكان ( حسن زيرك ) بحيث ترجلنا وزرناه ووقفنا لمدة عشر دقائق وكان السياج الحديدي يحيط بالقبر وعلى قبره عشرات البطالة القناني الزجاجية مكسوزة على ضريحه وهذه كانت وصيته .. أي من يزور قبري فعليه من تحطيم زجاجة خمر فارغة على ضريحه المتواضع !

مكثت المجموعة القيادية حوالي شهرين من الزمن في تلك المناطق والمقرات ومنها ( خؤرناوزان ، كرزال وعبور الى مناطق بالامبو وشاربازير وغيرها .. شاهدنا ( خانة ، ربد أو ربت ، كامياران ، ديواندرة ، بوكان ، سقز ، مريوا ن وبحيرتها الجميلة ، سنندج ، بانة ، روانسر ، ومدن وقرى جميلة أخرى موزعة على الخارطة ، وعبرنا الى بينجوين العراقية وكانت آثار القتل والدمار والأسلحة الكيماوية المستخدمة بالضد وقتل المتشابكين بالقتال والأسلحة الخفيفة والسلاح الأبيض بين القوات العراقية والأيرانية .. وسرنا ونحن نشاهد القطع من الأسلحة المدمرة والسواد المنتشر في أرجاء المنطقة ! بالطبع المدن ليست حسب التسلسل الجغرافي .. وفي ذات يوم وكاتب السطور شكى من الألم في القلب والوضع النفسي تعبان .. فقادوني الى الطبيب في مدينة مريوان وكان لقائي مع الرفاق ( بولا زينداني و حمه صالح قره جتاني ) في مقر البارتي في مريوان وهم أيظا كانوا قد قدموا للعلاج وألتقطنا الصورة الثلاثية ! وبعد تخطيط القلب والفحوصات تبين من أن كامران سالم مسلح !!

باصات ( 2 ) كانت تقلنا في التنقلات في المناطق الأيرانية .. وقرية ( دزلي الجميلة وجبالها وبيوتاتها وكانها لوحة مرسومة بفرشاة بيكاسو الشهير ! والصعود الى الجبل الشاهق ومن ثم المسير الى مناطق أخرى حيث سهل شارزور الشاسع والواسع والمدن المرئية من بعيد ( حلبجة وسيد صادق ) والجبال المطلة على سهل شهرزور ( جبل هورمان ) الشاهق والشامخ والمقاوم . وفي ذات يوم وفي المساء المظلم تهيئنا للنزول الى قرية ( أحمد آوا ) وبحذر شديد وذلك من أجل لقاء كاك رؤز نوري شاويس مع والدته وأخته واللتان قدمتا من مدينة السليمانية للقائه في القرية .. وادي جميل يرشدك الى القرية ومياه زلم النابعة من الجبل .. وعلى وجه الصبح عدنا الى أدراجنا وذلك الكهف الجميل وقصصه التراجيدية تحكي للتأريخ المنسي .

وعند أنتهاء مهمة القادة للحزب الديمقراطي من مهامهما التنظيمية في أحد المواقع والقريبة من شاربازير .. أوقفت سيطرة الباسدارية لتفتش الياصات لتبحث عن شخص وهو بيشمركة أوشوا به والمطالبة به وإجباره على النزول .. ترجلنا جميعا وذلك الصدام والمناقشات الحادة وعدم الرضوخ والتنازل لسيطرة الباسدار وكان موقف أكثر سخونة من كاك رؤز .. بحيث لم يترك أي مجال للتدخل بشؤنهم الى أن عدنا الى الباصات وتواصلنا الطريق .

ونحن في اليوم الأخير وقادمين ومنسحبين عبر مقرات خورناوزان والجبل الذي لا يرى إلا القليل نورا ولا شمسا والجبل مشقوق الى نصفيه .. أنتهت مهمة الأخوة القادة ونحن منسحبين .. بحيث كنت قبل كاك فرنسو .. أي نحن الأثنان سبقنا كل القوة من أجل تلافي الخطورة والخسائر في حال الرمي أو الكمين وفي وضح النهار .. وذلك لسبب خطورة المنطقة والدبابات الموجودة في سهل شارزور ورصدتنا .. وأنطلقت قذائفها نحونا وكنا في عداد الشهداء والقتلى لولا الحظ وقدرة قادر !! بحيث يصوبون نحونا لو صاعد لو نازل والشظايا تتطاير من حولنا ونحن مسرعون للوصول الى منطقة الأمان ومحمين بخلف الجبل ، وكان مقر الباسدارية متمركزا ومحصنا من على خلف الجبل .

وفي أوائل وأواسط من شهر حزيران عادت القوة و المفرزة الى رازان وزيوة بعد متاعب جمة لأكثر من شهرين من الزمن الغابر .

وبعد أيام من وصولنا وبلوغنا المقرات وإذ بالتهيئة لنقل المقر الى الحدود وبالضبط الى منطقة لولان وقرية ( خرينة ) وكان توجه حدك بنقل المكتب السياسي والأعلام والأذاعة الى الأراضي العراقية كوردستانيا ، بدل البقاء في الأراضي الحدودية الأيرانية ، وهذا ما كان محبذا ومناسبا في ذلك الوقت مما كانت التوجيهات لأعضاء قيادة الديمقراطي / البارتي / من بناء مقرات في المنطقة المذكورة ، علما سبقونا البعض من القوات الشروع بالبناء في وضع الأساسات وكل حسب وضعه وسرعته !

وفور وصول ربعنا الى قرية ( خرينة ) المدمرة .. شرعنا بالتخطيط للبناء .. أول خطوة بدأنا بها ألا وهي قطع الأخشاب السبيندارات وإزالة قشورها لكي تيبس وتجف بسرعة ، ومن ثم خلطات من الطين و وصناعة ( اللبنات ) جمع لبنة وهي بحجم ( 40 سم طول ، و30 عرض ) ومن ثم حفر الأساس بعد وضع خريطة للبناء ومدى مقاومته للطبيعة ومأخذين بالحسبان القصف والسيول الجارفة وكثرة سقوط الثلوج في المنطقة !!! وخلال أسبوع والعمل لساعات متاخرة من المساء تم بناء غرفتين ومدخل مع كل التفاصيل .. بحيث كاك فرنسو أصبح يمزح مع الجماعة واللذين سبقونا في البناء وهم في منتصف الطريق وأقل .. شوفو شوفو .. أسطة كامران .. كيف بهذه السرعة بنا البيت ؟؟!! بالطبع الأساس المحكم يجب أن يكون من الصخر ، لكي الرطوبة والمياه لا تتسرب للداخل ومن ثم المواصلة بدل البناء بالصخور كان الأختيار الطابوق الطيني الكبير ( اللبن ) هو الحل ! بينما العمل لم يكتمل وإذ بالرفيق توفيق يوسف هرمز الحكيم ( سامان ) وصل الى موقع البناء ونحن في أواخر شهر حزيران بعدما كان قادما الى إيران للعلاج .. وكانت مفاجئة .. ها خيرا .. ؟! يلا بنا لنعود الى المقرات .. تريث لكي ننتهي من البناء وهذا ماحصل .. وودعت الأخوة الرفاق في الحزب الديمقراطي الكوردستاني / حدك والأخ الكبير والعزيز فرنسو حريري على حسن الضيافة والأحترام المتبادل فيما بيننا ، دون سماع كلام غير لائق ، سوى الأحترام والتقدير والمودة من الجميع .