مذكرات بيشمركة / 105/ سعيد الياس شابو / كامران

القيادات المترهلة ..

2020.08.26

الترهل الشخصي يختلف تماما  عن الترهل الشخصي السياسي، والترهل الشخصي السياسي يختلف عن الترهل الفكري التنظيمي والحزبي والعسكري  .. وما يلحقه وتلوحه من وصفات ومواصفات تنطبق على الشخص الواحد والمجموعة وقيادة الحزب ( برمتها ) ونحن أي حزبنا جزء من الواقع المفروض على الساحة العسكرية الأنصارية والساحة السياسية الخارجية والداخلية التنظيمية في الدولة البوليسية المخابراتية وأجهزتها المتنوعة وتسخير ثروات النفط الهائلة للنيل من حزب الشيوعيين العراقيين طيلة عقود ......!

وبعد أنتهاء المؤتمر الوطني الرابع للحزب الشيوعي العراقي .. أختلطت الفصائل لتودع بعضها بعضا بين الراضية والرافضة .. والخلاص من التجمع الكبير للرفاق والقصف المدفعي وحركة الطيران .. ألتقيت الرفيق أبو حكمت لأودعه والعودة الى المقرات التي تحولت من  منطقة بارزان البارزانية  والى مناطق ( كافية ) الزيبارية وحواليها .

أوقفني أبو حكمت جانبا  وشاكرني لما قمت به طيلة الأشهر الستة الماضية .. نريدك وقاصد بكاتب السطور .. نريدك  كآمر الفصيل .. سوف نشكل فصيل للجبهة الكوردستانية وموضحا .. من كل حزب ( 5 ) بيشمركة وسيكون النواة للتعاون القادم بين الأحزاب ويكون في مقر القيادة في ( بيربنان )!

وكاتب السطور  لأبي حكمت .. لست مقتنعا  بالفكرة و بالعمل هنا وأنا عائد الى رفاقي من حيث ما أتيت .. كامران باي .. أبو حكمت  باي !!

عودة مفرزة قاطع أربيل ..

عاد المؤتمرون الى حيث ما أتوا ..

.............................

في أواسط الشهر الحادي عشر / نوفمبر .. تشرين الثاني  من عام 1985 .. والمفرزة بقيادة الرفاق سعدون وملازم كارزان والرفاق القياديين ممتطئين البغال ( أبو سيروان ، أبو ربيع  ) والأنصار البيشمركة بقوة فصيل متنوع كحماية .

بحثت عن البغل الذي تركناه عندما أصاب الرفيق أبو حكمت  حال سقوطه من البغل وذهابنا للعلاج .. أصبح البغل يتحمل الواجبات الملقاة على عاتقه ليل نهار قبل وبعد أيام المؤتمر لنقل الخيم والتموين والكساء وما اليه من الأحتياجات الأخرى .. ومتحملا القصف المدفعي أثناء تنقلاته المرئية والغير مرئية  دون أن يهاب القصف !!.

و البغل شعر بغبن كبير للفترة التي تركته مجبورا  ولا إراديا .. وكأنه يشتكي عند لقائنا .. ومبديا صهيله  وحبه وإشتياقه لصاحبه الأول ، ولو تحدث لقال الكثير عن الوضعية برمتها !

... ودعنا الرفاق محملين البعض من البطانيات والوجبات الغذائية السريعة وسلكنا الطريق في السهل الجميل ( برازكر و دشت حياة )، بينما بلغنا منطقة شبه عارية وخالية من الأشجار إلا ماندر .. وإذ بالرفاق ملازم كارزان وسعدون .. سائلين من أننا سنستريح  هنا لوجبة الغذاء !! وكاتب السطور ( كامؤ ) لا يارفاق الموقع لا يصلح أبدا لكون الطائرات ترصدنا فيما لو  حامت في السماء ونحن والدخان والبغال كثرة .. يبدوا أن التعب والبرد  والجوع قد نال من المفرزة  .. وهم مصرين على الراحة وكاتب السطور رافضا الموقع والمسير لربع ساعة أخرى والأشجار الكثيفة .. لزموا الصمت الرفاق الطيبين ومتواصلين الى المكان الأمن والمحمي تحت الأشجار والأحراش ... وما إلا دقائق عشرة عراقية .. والطائرات تجول وتحوم  السماء عن بعد .. الرفاق كلهم يتربصون  و ينظرون على والى  المكان السابق والمكان الحالي مبدين أرتياحهم ومبتسمين دون الكلام لما طرحته وأصريت عليه .

وبعد حوالي ساعة من الراحة والشاي المخدر على نار الحطب .. يزول و تزول القسم من المتاعب والتشنجات والدم الجاري في عروقنا والبغال متحملتنا دون أن تنطق ! والمسير المستمر والمتواصل والسريع متجاوزين منطقة ( عادل بيك ) المحفوفة بالمخاطر  ومتجاوزين الى أن أدركنا الظلام ويجب علينا المبيت في قرية ( بيندرؤ ) الحدودية العراقية التركية كوردستانيا . والقرية كانت مأهولة بتواجد البعض من عوائلها العائدة بعد تهجيرها في عام 1975 .

شرعنا بالتوزيع .. أي توزيع الرفاق وحسب العادة والمتبع أنصاريا .. إثنان إثنان .. كان الرفيق ( هردي ) أبن الرفيق مام ( علي كوتك ) يعلم بالمنطقة وزارها أكثر من مرة بحكم الدليل والمفارز الرايحة والجاية !! توزعنا .. ولا أتذكر من كان مع الرفيق أبو سيروان ليرافقه .. كلما ذهبوا الى البيت .. إلا وأعتذر صاحب الدار من إيواء الرفيقين .. !! وحدثت دمدمة  ..  الصوت العالي وخرجنا من البيت .. معقبين ما حدث ..! والرفيق يشكو من الوضعية ... والرفيق الطيب أبو سيروان خجولا .. لما يحدث له من قبل الأخوة القرويين .. مناديا الرفيق هردي .. ( ها ورئ هه ردي ) أنت تعال معي !! والرفيق هردي .. محاولا التوزيع في أكثر من مسكن وبيت .. جميعهم رافضين الرفيق أبو سيروان بسبب كبر المساحة التي يحتاجها أثناء المبيت وربما تناول الطعام ..  ومدعين القرويين من إن أماكنهم لا تستوعب لمثل هذه الوضعية .. وهردي الى أبو سيروان ضاحكا ومازحا ... والله رفيق أنا هم ما أتوزع معاك !! والى أن تم تدبير مكان للمبيت بالكاد وببالغ الصعوبة !

والقول للفلاح القروي .. ( والله أتو هي بيشمركايتي ني .. برؤ خؤ زه عيف كه ) ويقصد وما معناه أنت لا تصلح للبيشمركة وأذهب رشق نفسك !!

...... وفي خريف من عام 1981 عندما قدموا إلينا الرفاق أبو فاروق وأبو سلام للذهاب الى سوريا وعبر الحدود .. وقول القروي تحسين .. أي أنتم شنو قادمين تصبحون بيشمركة .. أنتم مسنين .. وبدل ما يخسر عليكم الحزب .. خلي يصرفها الحزب على الشباب !!

وفي عام 1984 خريفا عندما توجهت مفرزتنا الى الحدود بغية علاج المرضى .. وراكبا البغل الرفيق أبو مخلص .. مستعجلا للوصول الى المقر .. والمرضى عليهم من أن يتسارعون سيرا على الأقدام ليلحون مسير البغل !

وفي النهوض الصباحي وتجمع بيشمركة المفرزة وتجدد الحديث بما حدث ليلا للعائلة القروية ولهردي.. وإذ بهردي .. والله بعد ما أتوزع مع الرفيق أبو سيروان لو أعرف يسقط النظام .. لماذا يا رفيق هردي ... رفاق والله للصباح الباكر .. لا أنا نمت وغفيت .. ولا أهل الدار !! طيب لماذا هذا التشائم ..؟؟!! رفاق مو تشاؤم .. الشخير الذي لم يعطينا مهلة ولا لحظة !! وللشخير حديث آخر!!!.

وبعد يومين آخرين من المسير الشاق والطويل بلغنا مقر كافية أي مقر قاطع أربيل .

.. وما إلا أسابيع ثلاثة من وصولنا الى مقر القاطع ... وإذ بتبليغ جديد مفاده التهيئة الى مفرزة والثلوج متساقطة على أكثر المناطق الجبلية وحواليها .. الى أين رفيق سعدون .. ؟ الى المثلث الذي قدمنا منه !! طيب رفيق مو قبل ثلاث أسابيع كان تواجدنا هناك وهل نسينا شيء لنجلبه ؟! الرفيق سعدون كلا .. أجتماع اللجنة المركزية ! طيب رفيقي العزيز أختار رفاق آخرين ! لا أنتم رجال المهمات الصعبة وأحنة متعودين على بعضنا الآخر !! وشكلت مفرزة من الرفاق ال ( 15 ) ومنهم الرفاق ( أبو سيروان ، أبو ربيع  هردي ، دكتور سعد ( خيري ) ، أبو تغريد ،  حمه ريش ، ملازم كارزان ، سعدون ، كوبي ، هوبي والرفاق الآخرين وكاتب السطور  ، على أن نلتحق في اليوم الأول مع مفرزة الرفاق والقادمة من قاطع بهدينان بالقرية التي تقع في زار كلي في المدخل الذي يقودنا الى جبل ( متين ) الشهير .

ونحن قادمين من مقر كافية والعبور الليلي من شارع عمادية شيلادزة !! وتمكنا بتجاوز الشارع الذي كانت المدرعات الليلية تجوبه كدوريات بحثا عن ( العصاة المخربين )!! .ولكون البرد القارس والذي يمنع من تواجد الكمائن لساعات عديدة من الأنتظار في الموقع دون حركة ولا أشعال النار ولا توريث السيكاير ولا التبول !!!.

وفي الليل ألتقينا مع رفاق قاطع بهدينان الرفاق ( أبو جميل ، أبو يوسف ، و أبو ..... ) مع الرفاق الحمايات وتجمعنا جميعا في جامع القرية  .

وبعد التوزيع في القرية  وهي على مقربة من قضاء العمادية ..  وتناول العشاء القروي والخبز اللذيذ .. كانت وجهتنا الى جامع القرية الكبير والمنتظم والنظيف  ودفأ الصوبة الحطبية ... رفاق لم نلتقيهم منذ سنوات والأحاديث الشيقة والأستفسارات المتنوعة والضحكات والقهقات .. وإذ بالرفاق القياديين ( أبو جوزيف ، أبو سليم وأبو سيروان ) بسرعة البرق أطفئوا المكائن ..... ومن ثم بدأوا بالشخير المتنوع والعجيب  الغريب .. لكل واحد منهم عدة أصوات تختلف من شخير الى شخير .. أحدهم يرفع والآخر يكبس !!!  بحيث الحرس خارج الجامع يسمعهم بكل وضوح .. وبالرغم من أحاديثنا وقهقهات ضحكاتنا وتعليقاتنا .. بيد أن الوضع لم يتغير وهكذ أصبح البعض منا محروم من النوم للصباح الباكر !.

تواصلنا في الصباح وبعد تناول وجبة الفطور القروية من الصعود وقطع الجبل العملاق ( متين ) ومتحزمين بالمباديء الرفاقية .

ونتواصل المسير ونقطع المسافات تلو المسافات ، جبال تلو الجبال  وعلى قول المصري صعدة ورا صعدة !!.. عشرات الكيلومترات المسير في كل يوم من عمر الكفاح المسلح ، وفي اليوم الثالث نجتاز منطقة عادل بيك .. وفي نزلة وبغل الرفيق الشهم والطيب والخلوق والمخلص والنبيل ( أبو سيروان ) يتنرفز ويبدي أمتعاضه ومعرضته لوضعه الصحي من الجرح البليغ في ظهره أي متحملا مسافات كلها جبال ووديان وطرق في غاية الصعوبة ولأيام عديدة ....!!!! دون أن يترجل الرفيق أبو سيروان والرفيق أبو ربيع للحظة واحدة ! وإذ يطلق أبو سيروان على البغل ( والله .. به خوا هيستريكى خرابه ) والمقصود من أن البغل ليس جيدا !

وبمجرد من سماعي الجملة .. عدت مدافعا عن الحيوان البغل .. وناطقا كاتب السطور ( والله لو آني بغل .. منذ مدة لطرحتكم أرضا  أنت وأبو ربيع  .. كما طرح البغل الرفيق أبو حكمت )!! والرفيق أبو سيروان .. ليش رفيق  كامران .. ؟ والجواب .. صاعد نازل أنتم ممتطئين البغال .. العامل يعمل باليوم ثماني ساعات ويرتاح بقية الساعات الأخرى ال ( 16 )!! ، طيب نحن مو موشكلة نسير على الأقدام ( 15 ) ساعة وأكثر .. بس البغال شنو ذنبها تتحمل كل الوضعية التعبانة ؟؟!! .

كلا مو صوج البغال .. صوجنا رفيق ! والرفيق العزيز أبو سروان تقبل الكلام برحابة صدر وأيد كاتب السطور بطيبة قلب ... ونحن بحاجة الى وجبة الغذاء وفي المكان ذاته في دشت ( برازكر / حياة ) ، والنار الحطبي والشاي الحار .. تواصلنا المسير لساعات متعبة والحرمان من النوم الليلي .. ونحن نسير وتأخذنا الغفات وغموض العيون بين النايمة والصاحية وأحيانا نقع من كثر الإجهاد والتعب والحرمان من النوم !.

ونتيجة الترهل المزمن في الفكر والتنظيم والعمل السياسي .. لم يفلح الرفاق زكي خيري وعامر عبدالله ويوسف حنا وغيرهم من المواصلة في مواقعهم الحزبية في المؤتمر الرابع للحزب ، ونتيجة ترهل الرفيق عزيز محمد ( أبو سعود ) سلمت أمانة الحزب للرفيق حكيد مجيد موسى ( أبو داود )  ، ونتيجة الترهل الواضح شكل الحزب الشيوعي الكوردستاني من قبل البعض من القيادي في الحزب الشيوعي العراقي ، ومن ثم تشكيل حزب العمل ( كار ) ، ومن ثم الميول للأفكار القومية في الدفاع عن الحرب العراقية الأيرانية والدفاع عن النظام من قبل البعض من القادة المفكرين !! فأما الترهلات العسكرية عند القادة فحدث ولا حرج !!!!!!!.

جلها تقع في خانة الترهلات المتنوعة .