( زيوة )، ألا تستحق ان تكون عملا روائيا!؟ / مزهر بن مدلول

ادناه بؤرة ضوء، قد تنشر الظلال على التفاصيل...
في الخامس من حزيران من عام 1987، وبالتحديد في الساعة السابعة وعشرة دقائق، بدأت مباراة كرة القدم، وسط احتفال من الضحك والصياح والتشجيع، وكانت الفرحة والحميمية طاغية بهذا اللقاء الاستثنائي!.. والذي عاش ذلك الحدث الدراماتيكي، لا يمكن ان يخرج نصّهُ مشوشا او ناقصا، الامر فقط يتعلق بالقراءة الدقيقة لنيتشه وديستوفسكي وللذين وضعوا علامات فارقة على الطريق الوعر، كما يقتضي مقدارا من معرفة بالنقاط التي نلتقي عندها جميعا!..
عندما مرّت دقيقتان او ثلاثة على بدأ اللعبة، حامت طائرات حربية فوق جبل (متين)، فأطلق الحكم صفارته معلنا نهاية المباراة!، وسرعان ما تفرق الجمهور واختفى فريق كرة القدم.. حتى لو كان حلما، ففيه من الصدق اكثر مما في واقعنا!!، وتلك هي النبوءة التي لا بد وان يعثر عليها من يريد ان يكتب الرواية!..
قامت الطائرات بقصف القمم العالية بوابل من صواريخها، ثم انقضّت على مقراتنا، وعندما توقفت عن القصف وقفلت راجعة، خرجنا من مخابئنا، فغمرنا شعور وكأنّ الله غيّر نظامه!، نحن لم نعد نحن، والمكان ليس ( زيوة )، والسماء خالية من الاوكسجين!.. وما ينقصنا الاّ ان نبحث عن اثرٍ لنا في غبارالوادي، فهل جفّ الزاب أم فاض على الجبل!؟، اين اشجار البلوط؟، اين اعشاش الطيور؟، اين فصل الخريف؟... كل ذلك اللامعقول يقودنا الى ما يمس النقطة الخفية في الشعور لكي تكون الكتابة اكثر اغتناءً بالحياة!.
ساد اللغط وعمّتْ الفوضى ودقّ جرس العصيان!، في تلك الليلة المظلمة، اخترت ان انام فوق سطح الغرفة في مقر (م.س.)، وبعد منتصف الليل استيقظت على اثر مغص في بطني ورغبة في التقيؤ، فشاهدت نيران مشتعلة بالقرب من فصيل (الاسناد)، نزلت من سطح الغرفة وتسلقت السفح، فرأيت عدد كبير من الانصار في مشهد مأساوي لا يمكن تصديقه!، لوحة درامية من المستحيل!!، العيون تلتهب والاحشاء تتمزق والاحلام تتحول الى كارثة،.. والكاتب الشاطر يجب ان يعاني من مأزق البحث عن الخصوصية الفردية التي تجعل القارئ معلقا بين الشك واليقين!.
في الصباح، كنّا جميعا عميان!، لا أثر لنور، لا أثر لبصيص، عشرات العميان، عشرات الصور، عشرات الارواح التي تبحث عن من يجيد التنقيب فيها ليكتشف عوالم نفسانية مروعة، وكان هناك عدد قليل من الناجين يؤدون دورهم في رفع المعنويات!، فالعلاج مفقود والاكل شحيح والموت قاب قوسين!!، وصوت زهور حسين يصدح من اذاعة بغداد: (يم عيون حراكَة.......)!،.. بدأت المعركة، وشاعت الكبرياء، وارتفعت الى الآفاق صيحات مدوية، سوف يجعلها الكاتب نواقيسا تدقّ في الصدور!، فرغم رعب المصير، كنّا ندرك، بأنّنا طرف في هذه المأساة، وقررنا ان نبتسم!..