في أكتوبر 1980، وبعد تعب شديد، وصلنا الى مقر كوماته الذي يفصله عن الجانب التركي نهر صغير (روبار) فقط، وهو مكان بعيد عن السلطة، ويتألف من مطبخ وقاعة نوم كبيرة. وحال وصولنا، دبت الحركة بالمقر، وبدأ الرفاق الذين سبقونا إليه بالاهتمام بمظهرهم بطريقة غير مألوفة (من حلق اللحى.... الى نظافة وترتيب المكان!)، احتفاءً بوصول النصيرات (البلابل) كما يسميهن الشهيد ابو كريم. وبالمناسبة، فأنّ  النصيرات اللواتي وصلنّ، وبالرغم من انهنّ حليقات الشعر بسبب المعلومات عن انتشار وشراسة القمل، الاّ انهنّ حسناوات وبأعمار الشباب.

في المساء جرى ترتيب نومنا في الجزء البعيد عن الباب، وكان النوم فيها على شكل (مسطرين) متقابلين وجُعلت النصيرات عند جهة الجدار والحاجز كان من الرفاق المتزوجين، واتذكرالرفيق ابو كوران كان القفل وبجانبه زوجته ام صباح. 

في اليوم الثاني، عمل الأنصار حفلة غنائية لنا، فأنسونا التعب الذي بدأ يضمحل بعد الاستراحة والنوم على الفراش، الذي كان عبارة عن بطانية مطوية ثلاث طيات لتصبح مثل (الدوشك). أمّا الرفاق الذين كانوا هناك، فأذكر منهم: أبو طالب، أبو حسنة، سامي درﻳﮋه، أبو مازن، كما حضرها مسؤولا القاطع آنذاك الرفيقان أبو يوسف وأبو على.

بعد فترة، قرر الرفاق بأن يكون للنصيرات قاعة خاصة بهن، فأستعدينا للبناء، وكان الشهيد ابو كريم هو (الاسطة) ونحن العمال. كنّا نتسابق على حمل اكبر صخرة واضخم جذع شجرة، لكي نثبت لانفسنا اولا ولرفاقنا ثانيا، خاصة للبعض الذي كان معارضا لوجود النصيرات في كردستنان، بأننا نستطيع تحمل المسؤولية مثل بقية الانصار.

 اكتملت قاعة النصيرات، واصبح لنا فصيلا عسكريا خاصا بنا، وكانت النصيرة تانيا الامر العسكري للفصيل، والنصيرة ام امجد المستشار السياسي، والنصيرة ام عصام المسؤول الاداري. 

في ذلك الوقت 1980 لم يكن السلاح متوفرا، وكانت لدينا بندقية برنو واحدة نتناوب على استخدامها اثناء الحراسات الليلية، ونشدد على (سر الليل)، و(شحده الي يمر)، حيث نصرخ (توكى ولي وراك توكى)، وعلى ذكر كلمة تو كى، فأحدى النصيرات اعتقد ام طريق، مرّ بجانبها شخص من (حدك) اثناء حراستها، فصاحت به (توكى، نافيته جيه)؟، لم يجب على السؤال، ربما لم يقتنع، لأنّ الصوت كان نسائيا، فصاحت به مرة اخرى، ولم يجب، فأضطرت ان تسحب اقسام..... ((وهم زين ما تفلشت جبهة جود وجوقد)). 

في ساعة الحراسة، اكيد تنتاب كل واحدة منّا مشاعر الخوف، او ربما مشاعر التحدي، او التفكير بشيء اخر، وخاصة اننا نجهل اللغة ولم نتعرف على تضاريس الجبل، لكننا بمرور الايام تعودنا على التعامل مع هذه الحياة القاسية، والتي رغم صعوبتها، سادت فيها الالفة والحميمية، خاصة مع رفاقنا الشباب الذين جاءوا لنفس الهدف. وشيئا فشيئا، اصبح وجودنا ليس فقط اعتياديا، بل كان ضروريا الى جانب الانصار، وراحت مفارز النصيرات ووجبات دخولهن الى كردستان تتكاثر، واصبحت مسؤولياتهن كبيرة الى درجة المشاركة بجميع المهمات بما فيها  المفارز القتالية