كلّ شيء شحيح في وادي كوماته، الاكل والمؤن والملابس وغير ذلك مما يحتاجه الانصار، فالوادي بعيد عن قرى كردستان، لذلك اغلب الارزاق تأتينا من الجانب التركي عن طريق المهربين (القجقجية). نشتري الاشياء الضرورية التي لا غنى عنها: (برغل، دهن، فاصوليا، عدس....).

كانت وجباتنا تتكرر، فمثلا نتناول ثلاث وجبات عدس بالالوان باليوم الواحد وهكذا تسير الامور.... أمّا الرز، فلا اذكر أني اكلته في كوماته!، ولا اعرف السبب هل كان غالي الثمن أم غير متوفر أم ماذا؟، وعلى العموم فالاكل جدا متواضع، بحيث اصبح الحصول على وجبة بيض او بصل نوع من البطر.

عاشت النصيرات في وسط هذه الظروف المعقدة التي تحتاج الى قدرات استثنائية من الصبر والتحمل، فكان على النصيرة مثلا ان تلتزم بتناول الوجبات الثلاثة المقررة في الوقت المحدد وإلا من غير الممكن اذا شعرت بالجوع في منتصف الليل ان تحصل على شيء تأكله!.

هذا من ناحية الاكل والتموين وما يتعلق به، أمّا عن قضية غسل الملابس والاستحمام، فقد عملنا حماما وهو عبارة عن اربع بطانيات مثبتة بأربع أعمدة صغيرة مع قدر كبير نملئه بالماء الذي نجلبه من الروبار (نهر) الصغير القريب من الحمام. ننتظر حتى ترتفع درجة حرارة ماء القدر، وبعد ذلك على كل نصيرة ان تنتهي من حمامها بسرعة لأن هناك اخرى تنتظر دورها، وكل هذا يحصل من دون شامبو ولا تمشيط شعر ولا اي شيء من هذا، فقط نستخدم الصابون الذي نغسل به الصحون، ولكن رغم ذلك لم تتضايق او تتململ النصيرات اللواتي وضعن امامهن الهدف الاسمى وهو المشاركة في تحقيق هدف شعبنا بالتخلص من النظام الدكتاتوريالجاثم على صدور الناس. 

لا تختلف النصيرة عن النصير، ولا يوجد تمييز بين الاثنين في مجال الاعمال اليومية المعتادة، فالحال واحدة بينهما، ولذلك لا اتذكر ان نصيرة تمارضت او رفضت الخروج في حملة حطب او امتنعت عن الخفارة او الحراسة او غير ذلك من الواجبات التي يقوم بها رفيقها النصير، ومع انها تتعب وتمرض وتحزن وتخاف وتتألم وتبكي كأنسانة لها مشاعر واحاسيس، إلا انّ كبريائها يمنعها من التوقف والتردد لكي لا تشعر أو يشعر الاخرون بأنها ضعيفة.

تشكلت في وادي كوماته لجنة ثقافية، وبدأت باصدار مجلة دفترية بعنوان "النصير الثقافي"، تطلعنا على اخر الاخبار والاحدات بالاضافة الى ما هو كوميدي من مواقف وقفشات من اجل ترطيب الاجواء الجافة والخالية من كل شيء.

قام النصير المحبوب من الجميع  (ابو طويلب) مع النصير ابو حسنة بتشكيل فرقة غنائية بصرية سميت (فرقة الخشابة)، وأنا كنت عضوة في هذه الفرقة (على اساس صوتي جميل! ترى مو صحيح ههه)!، ومنحت هذه الفرقة اوقاتا ممتعة للانصار خاصة في الليالي الطويلة والموحشة.

وبمناسبة الحديث عن الوحشة، فأنّ في وادي كوماته لا توجد ذبذبات ولا ترددات ولم نسمع اخبار ولا اغاني ولا نعرف ماذا يجري في العالم والراديو متوقف ولا يصله اي ارسال، فالوادي بعيد جدا ولا تشرق فيه الشمس، وكنا نعبر الى الجانب التركي منه لكي نتشمس، اعتقد هذا الوادي مجهول ولا حتى السلطة تعرف بوجوده.

كان الحزب يعطينا راتبا شهريا مقداره خمسة دنانير، ولم نعلم ماذا نفعل بها، فلا دكان ولا سوق ولا احد ينزل الى المدينة لكي نوصيه بجلب بعض حاجاتنا، فقط التبغ وعلب السكائر التي يجلبها المهربون، لذلك اغلب النصيرات يتبرعن براتبهن الى الانصار المدخنين، ولكن بعد ان نزلنا مع المفارز الجوالة في المنطقة استطعنا ان نستخدم الراتب حيث يوجد دكان هناك. 

لقد كان (وادي كوماته) محطة اساسية في سبيل الانطلاق الى مهمات اكبر وهي المشاركه بالمفارز واثبات وجودنا اكثر.