أثناء تجوالنا في المفرزة الأولى التي كانت اعلامية بالدرجة الأساس، عرفت كل واحدة منا امكانياتها وهل عندها الاستعداد والرغبة للاشتراك في المفارز القتالية؟. راحت النصيرات يطرحن فكرة ضرورة المشاركة بالمفارز حتى لا يكون وجودنا  شكلياً، بل أردنا أن نكون جزءاً من المفارز القتالية. 

حصلت آراء متضاربة بين صفوف الأنصار في الموقع (ضد ومع الفكرة) وكانت الآراء ضد هي الأكثر، ولكن نتيجة الاصرار من قبلنا والدعم الكلي من الرفيق أبو جميل الذي اجتمع بأكثر النصيرات الموجودات في المقر (كوماته الاول) اواخر 1981 حول هذا الموضوع وجرى توزيعنا على السرايا الموجودة في المنطقة. النصيرات: أم هيفاء، سلوى والشهيدة فاتن إلى المفرزة التي يقودها النصير أبو ليلى (صباح ياقو). أم طريق وأم نصار إلى مفرزة زاخو التي يقودها النصير أبو محمود. أم عصام، عشتار، أم امجد و دروﮒ إلى مفرزة دشت الموصل بقياده النصير الشهيد أبو نصير. النصيرات: تانيا، بدور والشهيدة أم لينا تم نقلهن إلى قاطع السليمانية، أمّا النصيرات اللواتي إلتحقن فيما بعد، فتوزعن على القواطع الاخرى. 

أول عملية قتالية اشتركت بها النصيرات دروﮒ، أم بسيم، عشتار وأم أمجد هي ضرب فوج نزور. النصيرة دروﮒ تدربت في لبنان على سلاح المدفعية. 

في مفرزة زاخو أو المفرزة 47 أمضينا عدة أشهر ومن ثم جرى تغيير قيادتها وأصبح أبو هدى (حسين الأسود) آمرا للسرية والمستشار السياسي الشهيد أبو ليلى ( كاظم طوفان ) والإداري أبو سعد اعلام، أمّا رفاق السرية فأتذكر منهم: أبو صارم، أبو برافدا، علاء الزغيرون، أبو نهران، أبو داود، أبو زياد، أبو طريق، الشهيد الدكتور عادل، الدكتور أبو ظفر، أبو نادر، أبو ريما، أبو همسة، أبو بشار، شاكر الصغير، الشهيد أبو سرمد، أبو نصار، أبو كريم، أبو نضيلة، أبو حسن، أبو فهد، أبو زاهر، أبو عمار، أكرم المسيحي، أبو قتيبة، أبو شكرية، أبو رشدي، سلام فواز، أبو عليوي، معروف، الشهيد أبو رزكار، هادي وآخروون لا تحضرني أسمائهم. 

النصير الشهيد أبو ليلى (كاظم طوفان) من الشخصيات التي كانت تساند النصيرة، وخاصة أنا وأم طريق. تعرفت الى أبو ليلى في بيروت قبل توجهي الى كردستان، وإلتقيته مرة أخرى كمستشار سياسي لمفرزة زاخو، وهو جميل الوجه والتقاطيع، يشبه وجوه الممثلين. يمشي هادئا. كان ودوداً وحذراً في مشيه وفي سلوكه وفي طريقة نطقه. كانت الابتسامة ترتسم على وجهه دائما عندما يتحدث. 

بلغنا الرفيق أبو ليلى (كاظم طوفان) رغم اعتراض آمر السرية بأن نشترك أنا وأم طريق بعملية ضرب وإقتحام (ربيئة دركار عجم). العملية كانت مشتركة بين مفرزتنا ومفرزتين من (حدك) الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة صادق عمر ومحو ﮔﻭده. 

قبل العملية كان الكل مشغولاً بالتهيئة: تفكيك السلاح وتنظيفه وملء مخازن العتاد، ربط النطاق والعتاد على الخصر. في  الليلة التي سبقت العملية شعرت بجسدي يتعرق وأقدامي غير قادرة على حملي واضطراب داخلي ينتابني؛ الخوف أولاً.. يا ترى هل سأتحلى بالشجاعة؟ يا ترى هل أنا قادرة على هذا العمل الخطير، وهل هو اثبات وجود مثلا أم لرفع اسم الحزب الشيوعي العراقي، وخاصة أنها أول مرة في حياتي أساهم بفعل قتالي؟!، هذه المشاعر كلها راودتني في الليلة التي سبقت العملية، الخوف .. شعور إنساني فطري. 

في الصباح كان القرار نافذاً ولا مجال للتراجع عنه. حتى لو كانت لدي ملاحظة، تظاهرت بالقوة والفرح وأنا أردد مع نفسي:" إرادتي أكبر من كل شيء وهي من يصنع انتصاري وفرحي!" .

وبدأت العملية بتحرك مجموعة من مفرزتنا مكونة من ما يقرب 15 نصير ونصيرتين إضافة الى مجموعة من (حدك). توزعنا (أم طريق وأم نصار) كل واحدة مع مجموعة في كمين للتقدم المتوقع من زاخو أو من باطوفة. أنا كنت مع أبو صارم وأبو طريق وآخرين، أخذنا مواضعنا خلف الصخور وموجهين بنادقنا صوب الشارع القادم من مقر لواء باطوفة، حيث نتوقع أن يأتي قوة من مقر اللواء لنجدة الربيئة. بعد بدء المعركة بفترة غير قليلة، شاهدنا رتلا من الآليات قادماً من مقر لواء باطوفة باتجاهنا، وحين اقترب الرتل بدأنا بالتصدي له. أول مره أسحب أقسام البندقية وأطلق النار. ارتبكت في البداية، لم أستطع سحب أقسام البندقية، ربما الخوف، ولكن قرب أبو صارم ومساعدته لي ووجود أبو طريق واثنين من حدك غير بعيدين عني، زادني عزيمة. وحين اشتد اطلاق النار اختفى الخوف والرهبة، تولد شعور آخر هو نجاح العملية بسلام وبدون خسائر من رفاقنا. وفعلا نفذنا وانسحبنا بدون خسائر. لم نستطع اقتحام الربيئة لشدة المقاومة واشتراك الربايا القريبة بقصف موقعنا بالمدفعية. وهكذا استمر تحركنا في تنفيذ العمليات العسكرية في منطقة الدوسكي، اضافة إلى النشاط الاعلامي وتعريف المنطقة بدورنا. بعد فترة مرضت النصيرة أم طريق بالملاريا وصار وضعها الصحي صعباً وليس لدينا دواء لمثل هذه الحالة، لذلك صدر قرار العودة الى المقر. وشملني القرار أيضاً فعدت معها. في تلك الفترة كان القاطع قد انتقل إلى وادٍ آخر، لأن الجندرمة الأتراك بدأوا بشق طريق في الجهة المقابلة لمقراتنا التي أصبحت ساقطة عسكريا. فوقع الاختيار على كلي (كوماته الثاني).