أمواج زرقاء موشحة بالابيض، يداعبها سمك نشوان، وأنا اداعب خصلات شعري الفضية التي ظهرت مبكرا، الزمن وحش هلامي، يجتاحنا بشغف . أول مرة أتأمل الانهار، التي كانت مصدر تهديد دائم لي اثناء عبورها  الليلي، حيث يختفي وجه الماء، حينما يختفي وجه القمر، فقط صمت النهر وهديره احيانا. نسجت مع روح الماء وشائجي، جلست على صخرة تشبه الأريكة قرب شجيرات متشابكة. ترتطم بها الامواج المنكسرة، فتظهر فقاعات تشبه نتف القطن. كان معي كتاب (رواية حمزة الخلف) التي أدخلتني فضاء الريف، سر الحكمة الازلية، استعرته من فصيل الاسناد.

كان في الضفة المقابلة وادي ضيق، مكتظ بالاشجار والازهار والحجر،، هل الجبل يشيخ او يمرض او حتى يموت.. هل للحجر روح،، كيف نمت هذه الكتل الحجرية المطروحة فوق الارض...هل للطبيعة زمن خاص ..؟

ربما للاشياء زمنها الخاص. ولجت حالة التاملات في تلك اللحظة المشحونة بالعزلة، أجتاحتني امواج الغربة والاشواق... أخذني الصمت الى مرابعه الواسعة.

قفلت عائدا قبل موعد العشاء بقليل. لقد كنت ضيفا ثقيل الظل والحضور على فصيل الاسناد. كنا مجموعة (متكتلة) حسب العرف الحزبي السائد ائذاك. بعد هزائم بشتاشان، كنت اشعر بالهزيمة والانكسار والذل كمحارب). الانصار في هذا المقر عادة  في المساء يلعبون كرة الطائرة واحيانا كرة القدم. اصواتهم منتشية. وظلال الغروب تؤذن باندلاع الغسق. كان صوت ابو تحسين عاليا. لا أظن انه يجيد تلك اللعبة.

مررت بهم، البعض منهم ينظر اليَ بريبة!،  والبعض الاخر يتحاشى التقاء النظرات، تجاوزت ساحة الطائرة مرورا بفصيل الادارة، ثم دلفت الى فصيل الضيوف، عابرا الحمام الصغير الذي يتراكم خلفه رماد الايام السابقة.

المساء باردا في جوف الوادي. قبل عبوري فصيل الادارة والحمام لمحت شخصا اعرفه .توقفت كي اتاكد من ذلك الوجه الاسمر العريض والنظارة الطبية والقامة القصيرة. نعم انه هو. اقتربت منه، اعترضني مرافقه (كوني منشق). لم يشيح هو بوجهه عني فقد رأيت علامة استغراب وايماءة، فهمت، انها اصول الصيانة الحزبية!.

-  قال أسير مصري.!

-  رفيق على كيفك وياي .

-  كان المرافق  مستعد لاطلاق الرصاص علي   

-  رفيق ترا هو يعرفني.

-  أصر على انه اسير مصري.

دفعته بيدي وعانقت هذا الاسير المصري الذي اعرفه جيدا.. مسوؤلنا السياسي القادم من الداخل، المتعب والقلق والحائر، (كما هي حيرة العائدين من الداخل). كان يحمل في دواخله اسرار ومكابدات ولوعة العارف في بواطن العمل السري المرعب.. شعرت ان اشباح الموت كانت ترافق خطواته .. انه حيدر حنفي الطيب والمنسي .