كنت في سجن الحلة خلال عامي 1963 و1964، ولم أكن قد بلغت الثامنة عشرة .. كنت أسمع من بعض الرفاق في السجن، وبروح تثير الفخر، أن هناك شيوعيين يرفعون السلاح بوجه الفاشية .. وكم كان ذلك يمنحنا الأمل، خصوصا نحن الفتيان الذين لم نتمرس، بعد، في الكفاح، والذين تستبد بنا الأحلام وقصص البطولة ..

وقد شاءت ظروف الحياة والنضال أن أكون، أنا نفسي، وكنت في أخريات الثلاثين من عمري، ضمن كتائب الأنصار المقاتلة في كردستان، في سنوات ثمانينيات القرن الماضي ..

هكذا امتزج الحلم بالواقع، ونهض أمل جديد ..

لا ريب أن تأسيس أول قاعدة أنصارية للشيوعيين في كردستان عام 1963 واحدة من المآثر الكثيرة لشيوعيي بلاد الرافدين. وهذا الحدث، الذي نمجد ذكراه الستين، هو فصل أساس في كتاب الكفاح المسلح الذي كان فصله الآخر في سنوات الثمانينيات، يرسم صورة عن المآثر التي اجترحها الشيوعيون، ومايزالون، وهم يمضون في دروب الكفاح، يقتحمون السماوات، ويسطرون الأمثلة الجذابة لأجيال المكافحين الجديدة ..

لكن عن أي المآثر نتحدث، وهي لا تحصى، في حياة الأنصار، وتاريخ حركتهم المفعم بالتحديات والآمال والآلام والدروس البليغة ؟

لعل من بين السمات البارزة لهذه الحركة ما يتجسد، ساطعا، في مشاركة النساء، على نطاق واسع نسبيا في هذه الحركة. ولسنا، في حيز ضيق كهذا، بحاجة الى ذكر أسماء وايراد معلومات عن الشهيدات الخالدات، وخائضات المعارك البطولية، ومقدمات النماذج الثورية، فهذه الحقيقة باتت معروفة في تاريخ بلادنا.

كنا، أيام الصبا والشباب، مفتونين بالقصص الأسطورية لنساء شيوعيات صنعن التاريخ .. ولعل هذه الذكرى تعيدنا الى صفحات من ذلك التاريخ  المضيء .. كنا نقرأ، من بين صفحات كثيرات، عن مقاتلات كومونة باريس، وهن يرفعن السلاح خلف متاريس حي مونمارتر وشارع فولتير .. عن المدافعات عن الجمهورية في أسبانيا .. وعن بطلات المقاومة ضد الفاشية .. وقصص أخرى وأخرى ..

كنا نقرأ في هذا السجل الذي يوقظ خيالنا الثوري، واذا بنا، في سنوات الثمانينيات، أمام التاريخ وجها لوجه .. أمام الأمثلة الملهمة التي جسدتها النصيرات الشيوعيات، وقد حوّلن أحلام صبانا الى واقع يعود بنا الى ينابيع تأسيس القواعد الأولى للأنصار الشيوعيين، ويرشدنا الى الصفحات الجديدة التي تجسدت، من بين نماذج أخرى ساطعة، في مشاركة النساء في انتفاضة تشرين 2019 ...

النصيرات هن اللواتي حوّلن السخط الى أمل .. هن اللواتي كانت أصواتهن تقرع أجراس المقاومة .. هن اللواتي كن يطلقن النداء للملايين من المظلومات والمظلومين أن أخرجوا من كهوف الظلام، واطيحوا بالطغاة حتى تشرق شمس الحرية .. هن من أشعلن الشموع لتنير طريق ضحايا الاضطهاد نحو عالم جديد .. هن اللواتي كانت راياتهن تفجر الينابيع ..

النصيرات هن الينابيع !

(عن النصير الشيوعي )