ترجمة: النصير عز الدين نوري فقي/ ماموستا هژار

الغرض من كتابة هذه الذكريات، هو توثيق الدور البطولي للبيشمركة الشيوعيين في مقارعة الدكتاتورية، ومنهم الشهيد شوان صلاح الدين (سوران)، شوان صلاح كفتيار وغيرهم من الذين شاركوا في تنفيذ العملية التي نحن بصدد تدوينها، ففي يوم من عام 1988 وكنت احد افراد مفرزة الداخل في شقلاوة، مررت من امام بيت مام قادر فصادفته هناك، قال لي ان لديه معلومات جيدة يجب ان تصل الى الحزب للاستفادة منها، وبيّن ((أن معاون مدير الأمن في شقلاوه وهو شخص منبوذ واسمه ملازم كريم، يأتي يوميا بسيارته إلى داخل السوق ويقوم باخذ الاتاوات ويرهب المواطنين، ولذك يجب ارسال هذه المعلومات الى الحزب))، فشكرته وقمت بدوري بابلاغ آمر السرية الرفيق كارزان بيكو والشهيد سعدون آمر الفوج 31 وكان مقرنا خلف قرية بركه.

في ذلك الوقت، كنت متحمسا جدا للقيام بعمليات داخل المدينة، وكنت حاقدا جدا على السلطة واجهزتها الامنية، التي قامت في سنة 1982 باعتقال اخي الشهيد سربست وتعذيبه بشكل بشع، كما قام الامن بقيادة المدعو ملازم كريم باقتحام بيت الشهيد فاخر وهو من آلاي شورش (جماعة ملة بختيار)، وقتله امام عائلته. كنت مستعدا لاقوم بعملية، خاصة بعد ان ذهب والد الشهيد فاخر الى الفوج 31 وطلب من الشهيد سعدون معاقبة قاتل ابنه، فارتفعت معنوياتي بعد موافقة الشهيد سعدون، وبدأت اخطط لذلك. 

كنت بحاجة لنصير آخر يساعدني، فاخترت الشهيد سوران الذي ابدى استعدادا منقطع النظير من اجل تنفيذ الخطة، وانتظرت التعليمات من الرفيقين سعدون وكارزان بعد ان ابلغتهما بالعملية. وفي احد الايام، وكنت مع الشهيد سوران ورفاق اخرين في المراباة على جبل (زينه تيرلا)، جاءت برقية من الفوج تطلبني والرفيق سوران للنزول الى المقر، وعندما نزلنا، ابلغونا بان الوقت مناسب لتنفيذ العملية، وانهم نسقوا مع التنظيم المدني في شقلاوة لمساعدتنا واعطونا رسالة الى الرفيق شوان، ومنحوني كامل الصلاحية في اتخاذ القرارات المتعلقة بتنفيذ الخطة.

في المساء رتبنا وضعنا ونزلنا إلى داخل المدينة حيث لنا موعد مع التنظيم المدني المتكون من الرفاق شوان وشيرزاد حنه أفندي ونوشير ولويس الأحمر وديدار، وكانوا جميعا في منزل الرفيق نوزاد حمه كجكه. وصلنا إلى الموعد في الوقت المحدد، وقمت بتسليم الرسالة الى الرفيق شوان، وبعد قرائتها قال: كيف نحن تنظيم الداخل ليس لدينا معلومات عن هذا المنبوذ (ملازم كريم) الذي يأخذ الاتاوات والرشاوي من اصحاب المحلات والناس البسطاء وتحت تهديد السلاح!؟، وابدى الرفاق في التنظيم المدني كامل الاستعداد لمساعدتنا في تنفيذ العملية، ولكن بعد التيقن من المعلومات. كما قمنا بشرح خطتنا لهم بالتفصيل، فاعطونا ناظر ومسدسين وجمدانين، وقامت شقيقة الرفيق ديدار بتحضير اكل سفري من الخبز والكباب والطماطم، ثم قام الرفاق بتوديعنا.

ذهبنا إلى بيت الرفيق قادر غليفان وسالناه اذا ما كان متاكدا من المعلومات حول تصرفات ملازم كريم، فاكد لنا ذلك، وطلب منا الحذر بسبب وجود مسلحين بكثرة في السوق وكذلك عدم تنفيذ العمليه أمام فندق ملا سعيد، فهو شيوعي وابنه من الانصار، لكي لا يصيبه اذى.

اتفقنا مع احد الرفاق اسمه (هلكوت) أن يراقب وجود ملازم كريم في السوق، وعندما يتاكد من ذلك يؤجر تاكسي وياتي الينا، وبدورنا ناخذ التاكسي لتنفيذ العملية. عند منتصف الليل وصلنا إلى المكان الذي اخترناه للتنفيذ، وهو الحديقة الخلفية لفندق سليم، لكننا غيرنا المكان بعد ما شاهدنا حركة لعائلة احد الجحوش في المكان. لكن واجهتنا مشكلة وهي عدم معرفة الرفيق هلكوت بالمكان الجديد، مع العلم ان المكان جيد ويشرف على الشارع والسوق. قمت بالمراقبة والرفيق سوران منبطحا بجواري، وبعد نصف ساعة لاحظت تويوتا كرونا بيضاء تتجه الى السوق وكان ملازم كريم يسوقها وبجانبه احد افراد حمايتها، وعندما وصل الهدف الى المكان المناسب، اسرعنا الى الشارع في وضح النهار واتجهنا الى سيارة تكسي كانت واقفة امام دائرة الكهرباء لغرض الاستفادة منها في تنفيذ العملية، لكني شاهدت سيارة اخرى تويوتا ايضا واقفة امام بيت (اوسطة مستي) وكان احد الاشخاص يقوم بتنزيل الحمولة منها، فطلبت من سوران ان يترك التاكسي ويراقب المنطقة، بينما اتجهت نحو سيارة التويوتا وطلبت من صاحبها: (نحن بيشمركة الحزب الشيوعي العراقي ولدينا جريح ونحتاج سيارتك لنقله)، لكنه رفض مساعدتنا، فاخذت (السويج) منه وانطلقت باتجاه سوران الذي صعد الى جانبي بسرعة وذهبنا الى سيارة المجرم ملازم كريم، توقفنا على بعد 100 م ونزعنا الجمادنيات لكي لا نلفت انتباه المسلحين الموجودين على الشارع. كان المكان قريب من قهوة حمودي ملا سعيد وسيارة ملازم كريم واقفة عند فندق مشكور أمام مخبز صمون وقريب من فندق شيرين، بينما ملازم كريم في داخل المحلات ويتكلم مع أصحابها.

انتظرناه حتى يخرج إلى الشارع لنجنب الابرياء الاصابة، وبعد فتره قليلة خرج واتجه نحو سيارته، قلت لسوران الان الوقت المناسب لقتله. تحركت بالسيارة بهدوء، ثم قلت لسوران ((اروح فدوة لأيدك لا تخطأ))، فقال اطمأن. وصلت بالقرب من المجرم، وعندما إلتفت نحونا، رأى فوهة البندقية مصوبة نحوه ولم يسعفه الوقت للنجاة هو وحمايته.

انطلقت سيارتنا بسرعة داخل الازقة، بينما وابل من الرصاص انهمر علينا من كل الجهات، وصلنا امام منزل حاج صالح، فتركنا السيارة هناك، وركضنا باتجاه حديقة حمه سور، وهذا المكان ملائم للاختباء به عن الانظار. كنّا ننتظر الاخبار وردود افعال السلطة. شاهدنا من بعيد الرفيق ديدار يصفر ويمشي منتعشا!. وبعد فترة قليلة جاء إلينا جوهر ابن مام عبدي وطلب منّا الذهاب الى بيته للاستراحة متحديا ازلام النظام، ولا استطيع نسيان هذا الموقف الشجاع من عائلة مام عبدي، امّا بعد الاستراحة، فرجعنا الى قواعدنا سالمين.