تمر هذه الأيام الذكرى الأربعون على مأساة بشت آشان التي لم تدمِ قلوب كل الشيوعيين العراقيين فحسب، بل وقلب كل عراقي وطني وشريف، خاصة رفاق السلاح من أخوتنا الأكراد الذين يدركون جيداً الحقائق، بعيداً عن أي تضليل. أسميتها جريمة ومأساة، نعم أنها ليست أحداثا كما يحاول البعض تسميتها، بل أنها أكبر من مأساة، لأنها انتهكت كل الأعراف الجميلة في مجتمعنا، ومثلت سلوكاً مخالفاً لما عرف به شعبنا الكردي من نخوة وإباء وتعاضد وحسن تعامل، وكرم وطيبة، أنها جريمة انتهكت كل الأعراف السياسية والاجتماعية والعلاقات الوطنية. ولا نريد الخوض في التفاصيل، بل ليراجع الجميع مواقفهم، وليتذكروا جيداً أن الشيوعيين العراقيين أول من رفع شعار حق تقرير المصير لشعبنا الكردي، وأول من طالب بالحقوق الكاملة لهم، ومواقفه هذه كانت ولازالت ولا حاجة لتأكيدها، وهو من وقف مع شعبنا الكردي في محناته المتلاحقة ليس في الشعارات بل قولا وفعلا، فمنذ تأسيسه حتى اليوم، كان مع القوى السياسية الكردية يناضل ويقاتل بكوادره وقادته النظام الدكتاتوري المقبور، جاء رفاقه من كل أنحاء العراق من جنوبه حتى شماله، بل جاءوا من مقاعد الدراسة في أوربا وغيرها، ومنهم من ترك عمله وعائلته وأطفاله في الخارج ليصل كردستان معرضا حياته للمخاطر، كي يصل ليناضل مع رفاقه ضد النظام الصدامي، كان على القوى السياسية أن تكون بمستوى هذا الموقف المشرف لهؤلاء المناضلين الحقيقيين الذين لم يفكروا بمنفعة خاصة بهم، بل كان هدفهم عراق ديمقراطي لا يفرق بين طائفة أو قومية أو عرق أو دين، يتمتع فيه الجميع بالعدالة والمساواة، عاشوا وسط شعبنا الكردي بعيدين عن بيئتهم وعوائلهم، مؤمنين بقضيتهم، وواثقين أن شعبنا الكردي سيكون عونا لهم كما هم عون له، وفي مقدمة ذلك القوى السياسية الكردستانية.
لقد حصلت خلافات، وهذه مسألة طبيعية، وربما الخوض فيها الآن لم يعد مجد، لكن هل كان الهجوم الغادر في الأول من آيار حيث (عيد العمال العالمي)، سنة 1983م، مبررا، مهما كانت تلك الخلافات عميقة...؟ أتمنى أن يجيبني أحد قادة ذلك الهجوم، وأنا على يقين أنه يقف وراء كل تلك الأحداث بعض المندسين أو من المتعاونين مع النظام المقبور، من أجل إحباط الحركة المسلحة في كردستان، ومن أجل إلهاء القوى المسلحة في الصراع فيما بينها، ليبقى النظام يتربع على أرواح ونفوس شعبنا، ولنفترض أن ما حصل حصل في لحظة انفعال أو غضب، أو حالة نفسية لأحدهم، كيف نفسر ان يتم إعدام بيشمركة أسير وهو جريح، أمام رفاقه ورفيقاته، كم أتمنى أن أسأل قادة الهجوم كيف تم قتل النصيرة البطلة عميدة عذبي حالوب، هل تعرفون كم كانت تحب الشعب الكردي...؟
أيّ فتيةٍ قتلتم...، هل تعلمون من هو الشهيد أبو ليلى هذا الكادر القادم من الاتحاد السوفيتي، هل تعلمون من هو سمير مهدي شلال (أبو تيسير)، الذي ترك أبنه وزوجته وعمله في اليمن، ليتوجه إلى كردستان، أنه كان جريحا وأعدمتموه أمام رفاقه ورفيقاته، وغيره وغيره من الرفاق الشهداء الآخرين. الأسماء كثيرة، وكلهم نجوم ساطعة في سماء الوطن الذي أحبوه، لنتذكر هؤلاء الشهداء:علي حسن بدر، رسول سوفي منكوري، عبد الله حسن ده ركه يي، قادر حسن ده ركه يي، عبد المحسن أحمد، كاظم طوقان، محمد فؤاد عبد الهادي، مجيد رسن، ملازم وهاب عبد الرزاق، حامد الخطيب، د. بهاء الدين طارق، صلاح حميد، أبو توفيق رشاد، علي عبد الكريم نعيمي، يحيى موسى مرتضى، نصير محمد صباغ، شهيد عبد الرزاق، عطوان حسين، خدر كاكيل، نياز رسول، د. غسان عاكف، نزار ناجي يوسف، زهير عمران موسى، سعد علوان هادي، حسين حميد، سائر عبد الرزاق، ناصر عواد، سمير يوسف، حسن أحمد فتاح، صباح مشرف، سيد خلويزيدي، وعد عبد المجيد، طارق عودة مزعل، عبد الوهاب عبد الرحمن، أنور الحاج محمد، هاشم كاظم، عبد علي جبر، محمد عودة عامر، جبو سلام، عماد شهيد جول، نعيم شيخ فاضل، عيسى عبد الجبار، عبد الأمير عباس علي، محمد صالح الساعدي، عطوان حسين عطا، مازن موسى كمال الدين، ناصر أحمد كانبي، آوات، ستار مصطفى إسماعيل، باسم الساعدي، محمد نبي، علي مردان، محمد أمين عبد الله، خالد كريم علي، أحمد بكر إبراهيم، آزاد آغوك نادر، إبراهيم عبد الله شمس، رعد يوسف، آزاد عزيز صالح، جمال، هيوا مغديد عمر، وعذرا إذا نسيت أو كتبت خطأ أسم أي شهيد، أنهم من كل محافظات العراق، بل ومن كافة طوائفه وقومياته وأقلياته، هذا هو الحزب الشيوعي العراقي، أنه يمثل بحق الوحدة الوطنية، ونسيج المجتمع العراقي الجميل.

هل راجعتم أنفسكم، هل هذه الأعمال من شيمة المناضلين الصادقين، وحتى لو أخطأ الحزب الشيوعي العراقي في موقف ما، فهل من شيمتكم التعامل هكذا مع الذين اختاروا الوقوف مع شعبنا الكردي، واختاروا كردستان ساحة لنضالهم ضد نظام يضطهد كل أبناء شعبنا. كثيرةٌ هي الأسئلة التي تطرح، واليوم هل فكر أحدكم بالوقوف بشجاعة ليقول، مثلا: (نعم نحن أخطئنا بحق هؤلاء المناضلين، ونطلب الصفح)، وهذا اقل موقف كان يمكن أن يكون، خصوصا بعد أن سقط النظام، وتحققت بعض أحلامنا المشتركة، أن هكذا موقف ضروري ويدل على الشجاعة، لا الضعف، بل على الأقل أن التاريخ سينصفهم، لكن دون ذلك، فسيظل التاريخ يلعنهم، على الأقل سيكون الاعتذار عاملا لتخفيف الألم ولطوي صفحة سوداء في جبين الفاعلين، وليعوض عوائل وأبناء هؤلاء الشهداء الذين ترفض عوائلهم حتى هذا التعويض، ما لم يكن مقترناً بمحاكمة مرتكبي هذه الجريمة.
لقد مرت عشرون سنة على سقوط الصنم، وكنا ننتظر وقفة جادة، وقفة حكيمة ممن كانوا مساهمين في الفعلة، للمبادرة بتقديم الاعتذار. كما تتطلب حقائق اليوم وما تجمعنا به مع "خصوم الأمس" من مهام وأهداف مشتركة، إغلاق هذه الصفحة وإنصاف الشهداء وعوائلهم، ومعالجة الغصة المؤلمة التي بقيت في قلوب الشيوعيين من تلك المأساة، فهل هناك من مستجيب، لاسيما وإن هناك الكثير من العقلاء في صف من أنادي؟
لتكن الذكرى الأربعون حافزا لعمل شيء يطوي الماضي قبل أن يفوت الأوان. ولتنتصر إرادة شعبنا العراقي ضد الظلم والطغيان، مهما كان مصدره، ولنناضل من أجل عراقٍ حر وديمقراطي يتمتع فيه كل أبناء شعبنا بالحرية والمساواة.

المجد والخلود لشهداء بشت آشان.