وصلنا مطار روما كترانسيت لعدة ساعات، اقتنيت قنينة ويسكي في السوق الحرة وفتحتها مباشرة لاخذ رشفة منها بغطاء القنينة ذاتها، عزمت ايطاليا كان جالسا بقربي في صالة الانتظار شكرني ولكن بابتسامة عريضة منه لان تقديم العرض كان مفاجئا له، غطاء القنينة ؟.

قبل دخولنا طائرة الخطوط العربية السورية تعرضت الى تفتيش دقيق من امن الطائرة، نظرت الى صاحبي ابو هيمن وهمست في اذنه: هل يظهر ملامح ارهابي على وجهي ؟ كنت البس بنطال جنس اشتريته وهو الحاجة الوحيدة التي اقتنيتها من الجزائر وقميص ملون فوقه، اعادوا التفتيش مرة اخرى، قلت مع ذاتي ان الرسالة السرية التي احملها قد ارسلت اشارات الاستغاثة الى امن الطائرة ! عدّت الامور بسلام حاملا بيدي القنينة المفتوحة في صالة الانتظار، اخذنا اماكننا في الطائرة واذا بنفس الشخص الايطالي يجلس بيني وبين الرفيق ابو هيمن، وبما ان ابو هيمن قد نال ايفاد الى ايطاليا اثناء عمله في العراق ويحمل اختصاص الكيمياء، دخل في نقاش واحاديث مع الايطالي باللغة الايطالية، عندها قدمت عرض رشفة من ويسكي وبنفس غطاء القنينة، ضحك ثانية وقال الطائرة في حالة صعود، قلت له ومترجمي ابو هيمن، فلتكن ((نصعد السكرة في اجسادنا مع صعود الطائرة نحو العلو))، انفجر ضاحكا، يبدو انك لطيف وكثير المزاح مع الاخرين " همست مع ذاتي : متحدثي لا يعلم باننا ذاهبون الى الجحيم بينما هو يمثل بلاده في معرض دمشق الدولي .

وصلنا دمشق فجرا حوالي الساعة الثالثة، توجهنا نحو ساحة المرجة لايجاد فندق ياوينا، الساحة كانت فارغة من المارة سوى عربة في احدى الزوايا يبيع الحليب الساخن، شنو رأيك ابو هيمن نأخذ قدحين من الحليب الساخن لكسر اخمارية وبعدين انصفي ادمغتنا لايجاد فندق ونحن لاول مرة في الشام وساحة المرجة، سألنا البائع عن فندق ارشدنا اليه، فندق الجامعة العربية لم يكن بعيدا عن عربة الحليب الساخن . حجزنا غرفة في الفندق واستلقينا الى المساء من تعب السفر وتأثير قنينة ويسكي المنعش، افقنا في المساء والظلام بدأ يوزع خيوطه في سماء دمشق، بحثنا عن مطعم نهدأ صراخ المعدة من شدة الجوع، هل كانت وجبتنا " اتذكر وجبة من معلاك قلي " فطورا أم غداء أم عشاءً , المهم تنفست المعدة الصعداء .

في اليوم الثاني من وصولنا قلت لصاحبي " علينا ايجاد مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين " وبعد تسائلات عديدة وصلنا الى العنوان المطلوب، دخلنا المقر وطلبت اللقاء بالشخص المسؤول عن المقر، انتم من وين ؟ سألني الشخص المتواجد في الاستعلامات، قلت نحن عراقيين احمل رسالة خاصة الى هذا العنوان، يبدو الشخص ادرك الموضوع مباشرة لربما نفس الحالة من سبقونا الى هنا، قال الشخص المطلوب غير متواجد اليوم هل بالامكان العودة غدا، اجبت بالايجاب بعد ان شكرته .

يلا ابو هيمن ... هسه اندور على مطعم زين نفطر بعد ان كانت جيوبنا مليئة بالفرنكات الفرنسية وبعدين ... نلكي المقهى الذي تجمع العراقيين عسى ان نلتقي بمن نعرفهم. كانت لدينا معلومات بسيطة من خلال زملائنا في الجزائر عن اماكن تواجد العراقيين . " لازم اخابر على اهلي في العراق عسى ان يأتوا لزيارتي، قالها ابوهيمن، طيب بعد ما نفطر اولاً .

بعد الفطور اتصل ابو هيمن باهله في العراق واتفق على زيارتهم للشام، توجهنا الى مقهى كمال " على ما اظن " لنتعرف على الموجودين دون ان نفلح باي شيء، واصلنا التجوال طوال النهار بين المقاهي والمطاعم الى المساء. في اليوم الثاني عدنا ثانية الى مقر الجبهة الديمقراطية، التقيت بالشخص المعني باستلام الرسالة، سألني من اين اتيت، قلت اتيت من الجزائر احمل رسالة خاصة علي ايصالها الى الرفيق موريس صليبي، قال سلمني الرسالة وسوف يصلك الجواب بعد ان تترك عنوان سكنك في دمشق، لاحظ وجود ابو هيمن معي قال باللهجة العراقية، هذا الشخص معك ؟ قلت نعم، ليش جايبه وياك ؟ قلت اتينا سوية من الجزائر ونبقى سوية طوال وجودنا في الشام . تبين فيما بعد بان هذا الشخص هو الرفيق ابو لينا " محمد النهر "  لم ان اعرفه سابقا .

بعد انتهاء مهمتي شعرت بحرية التصرف والاستمتاع بالوقت المتوفر لدينا اكثر الى حين ابلاغنا بموعد الرحيل الى خطوط النار داخل الوطن، قلت لصاحبي ... ابو هيمن ما راح انبقي شيء ما نستمتع به، راح انروح الى كل المكانات، البارات والكازينوهات وراح انشوف الشيوخ مطايا وحميرا في كل مساء نبقى في الشام، اني وياك متفق بالتمام، اجابني صاحبي ابا هيمن .