20-05-2023

كثير من الطيور تهاجر على مر الزمان من موطنها الاصلي الى مكانا اخر بعيد ...ربما الالاف الاميال تبحث عن مأوى جديد امن لكي تستمر معها  دورة الحياة .  البعض ربما لا يحب ان يفارق موطنه الاصلي الذي تربى وعاش طفولته فيها. لكن في اغلب الاحيان ظروف المكان والعيش تجعله مضطرا  الهجرة الى مكان بعيد...هكذا حدثت مع الطيور والانسان معا على مر الازمان.

كان علي السيد طعمة الذي يسكن مدينة العمارة في الجنوب مع والديه وهو الابن الوحيد لهم , كانت ظروف العيش قاسية جدا. حيث يسكنوا في اكواخ من البردي ويعيشون بساطة الحياة اليومية في صيد الاسماك والطيور, منذ الصغر وهو يشاهد انواع الطيور الجميلة التي تأتي بين فترة واخرى  الى المنطقة التي يسكن فيها في موسم  الشتاء والصيف

أصبح لديه فضول لمعرفة اسماء هذه الطيور ولماذا تأتي الى هنا؟ تعلم الكثير من  الاسماء التي من الصعوبة  نسيانها, منها الثََرثار العراقي ,هازجة قصب البصرة والخضيري الذي يعد مشهور في الاهوار ومنها العمارة وكثير من الاسماء التي يعرفها ابناء المنطقة التي تعلموها من ابائهم جيل بعد جيل...وبسبب كثرة ووفرة المياه والاكل جعلت الطيور تأتي كل موسم اليها  

ملامح وجه علي السيد طعمة تبدو قاسية وحزينة وضعيف البنية لكنه يمتلك قدرة على التحمل لوجوده في بيئة قاسية حيث تحتاج الى صبر وارادة قوية لتحمل العيش ,

بعد وفاة والده فكر بالنزوح الى مكان اخر ربما يكون اقل قسوة ,خاصة ان المسؤولية صارت كبيرة حيث لديه زوجة واربعة اطفال صغار اسمائهم جبر وسموه بهذا الاسم لجبر خواطرهم لأنه اول صبي بعد فترة انتظار وتوالت عليهم بعدها البنات نعيمة وسليمة وصبي اسمه قاسم وسموه بهذا الاسم بالرضا لقسمة الله لهم. 

في احدى السنوات جاء  مسؤول في الحكومة من بغداد طلب من الناس من يرغب في التطوع في الجيش . سمع الخبر علي السيد طعمة , ظن انها فرصة لتحسين وضعة وحياته  المعيشية , طلب التطوع في الجيش مع قليل من الاشخاص الذين رغبوا التطوع  

هنا الكثير لا يرغب بالتطوع ولأسباب عديدة ,التعود على العيش مع الاقارب والعشيرة وايضا لا يرغبوا ان يكونوا جزء من الحكومة في تطوعهم في الجيش كما يعتقدوا في ذألك الوقت في عقد الخمسينات

ركب علي السيد طعمة مع عائلته في  السيارة  الى مركز مدينة العمارة لم يكن يمتلك شيء ليأخذه في هذه الرحلة الطويلة سواء بعض ارغفة  الخبز التي هيأوها منذُ الصباح 

في اليوم التالي صباحا ركب علي السيد طعمة مع عائلته في السيارة  المتوجه الى بغداد  ليقدم نفسه هناك الى الدائرة المختصة بالتطوع .

كان علي السيد طعمة يفكر طيلة الرحلة  كيف يجد سكنا له ولعائلته تحدث مع زوجته التي كان يسميها العلوية بدلا من اسمها الحقيقي , لابد علينا ان نجد سكن مؤقت عند اقاربنا  الذين سبقونا الى بغداد

كما تعرفين لدينا اقارب ساكنين ببغداد قد نزحوا قبلنا بفترة ليست ببعيد ,

اجابت هذا صحيح وهم اخويه وعائلته واخوك وعائلته  وبعض الاقارب وهم سوف يساعدونا . رد متفقا معها   واضاف وهم يسكنون منطقة اسمها (النزيزة*)

وهي منطقة كل بيوتها مبنية من الطين اهلها فقراء يعيشون بالكاد يسدوا رمق عيشهم مع اطفالهم شوارعها ملئ بالطين والاغنام تعيش معهم وهي جزء من مصدر رزقهم. اغلبهم جاءوا من مناطق الجنوب من ضمنها العمارة. سكنت عائلة علي السيد طعمة في أحد البيوت الطينية البائسة التي اعطاها أحد اقاربهم. خلال وجودهم لفترة سنتين في هذا البيت البائس أنجبوا صبيين سمي الاول فاضل واخر العنقود سمي حليم (بزر الكعدة) كما يسموه في البيت. شعر الاب ان العائلة اصبحت كبيرة وراتب الجيش لا يكفي اغلب الاحيان يأكلوا الخبز الذي يحصلوا علية من الاقارب او بمساعدة العلوية زوجة علي السيد طعمة حيث تساعد الاقارب بالخبز معهم للحصول عليه مع البيض والطماطة لوجبتين في اليوم. (عندما تفرغ اكياس الطحين _ يصبح البدر رغيفا في عيوني*). بذل جهدا كبيرا للحصول على عمل جديد استطاع بعد سنتين الحصول على عمل في معمل النسيج في الكاظمية حينها استطاع ان ينتقل مع ابن عمه الى مدينة الحرية الثانية في بيت صغير تقاسموه فيما بينهم...يتبع  

                   _____________________ 

         النزيزة هي المنطقة المنخفضة (الان تسمى منطقة الصنائع في الكاظمية) *  

     الشاعر الفلسطيني محمود درويش *