تستعيد الذاكرة الانصارية في الخامس من حزيران من عام 1987 ذكرى جريمة استخدام السلاح الكيمياوي بحق انصار الحزب الشيوعي العراقي_قاطع بهدينان في قرية زيوة. تلك القرية التي تتوسد  نهرالزاب وتغفو على سفح الجبل. كان مساء الخامس من حزيران مساءً جميلا تسمع فيه زقزقة العصافير وصوت مياه الزاب الهادر وعطر الاشجار العبق وصراخ المشجعين لفريق كرة القدم في الساحة المتواضعة لمقر القاطع، وكان ابرز لاعبي الرفيق الفقيد عايد الشاب الجميل والمرح وابو نسرين وأبو لينا ابو عيون الخضر وغيرهم من الشباب الانصار. وكان يقف على خط التماس العديد من الرفاق الذين توزعوا في تشجيع رفاقهم ليلهب حماسهم في تسجيل الاهداف في مرمى الخصم!، وفي هذه الاثناء اخترقت اجواء الحماس الطائرات النفاذة التي رسمت اشارة صليب بدخانها على المقر. في البداية لم يعيرها الجمع اي اهتمام ولكنها عندما استدارت عائدة  تفرق الجميع وانتشروا في الاتجاهات المختلفة، المواضع والصخور والأخاديد وخلف الغرف. وفي هذه الاثناء سمع صوت انفجار القنابل في مختلف أنحاء المنطقة، خلف فصيل المكتب السياسي ووسط المقبرة وقرب سفوح القرية وقرب الزاب مع تصاعد الرائحة الكريهة التي تشبه رائحة اللحم المحترق ورائحة الاسفلت وحينما ابتعدت الطائرات عاد العشرات من الرفاق الى مواقعهم وهم يتوجهون لإطفاء الحرائق والقسم الاخر صعد الى  فصيل الاسناد والى فصائلهم لتناول العشاء وهم يتناقشون حول سر هذه الرائحة الكريهة  حيث انقسموا الى رأيين، الاول يرى في الرائحة احتراق المقبرة والثاني يقول انه قصف كيمياوي، ولكن بعد تناول العشاء وحضور طبيب من الاتحاد الوطني للمساعدة في معالجة الجرحى أكد على انه قصف كيماوي ولكن الشك والقين لازال قائم حتى الساعة العاشرة حينما بدا البعض يتقيأ على الرغم من الاجراءات البسيطة الوقائية وفقد البعض الاخر الرؤيا وتصاعدت صرخات البعض من شدة الحرقة في العيون وبين الفخذين وفي المناطق الحساسة من الجسم نتيجة استخدام الماء والأكل الملوث في ألغاز واستعمال الاغطية والافرشة الملوثة واستنشاق الغاز في الغرف المملوءة في بقايا الغاز مما دعى القيادة العسكرية الى الاستنفار ودعوة الرفاق الى التجمع وإشعال النيران للتقليل من حدة الغاز ولكن تصاعد الاصابات وفقدان عشرات الرفاق الرؤية جعل قيادة القاطع اتخاذ قرار الصعود الى فصيل الاسناد في قمة الجبل مع الرفاق الجرحى وفي منتصف الطريق فقد عشرات الرؤية بشكل كامل ولم  يكن هناك علاج يذكر سوى الغسل في الماء البارد لتقليل من تركيز المواد الكمياوية. لقد أظهرت تلك التجربة الصعبة والامتحان العسير صلابة وجلد الانصار الشيوعيين الجرحى ومسعفيهم، فقد اظهر المصابين الجلد والتحمل والصبر واضهر مسعفيهم الشعور العالي بالمسئولية والتحمل والتفاني والتضحية والسهر ليلا ونهار لآطعام جيش متكون من 149 رفيقة ورفيق وحمايتهم من الهجوم والغدر في هذه الحالة الخطرة وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم.

وفي هذا القصف الاجرامي استشهد الرفاق ابو فؤاد (جوقي سعدون ابراهيم) وابو رزكار (ربير عجيل محمود) وجرح الرفاق عباس رش والرفيق خابور، ورغم حراجة الموقف وخطورته كانت روح الدعابة والمرح والنكته الحية وحدثت الكثير من القفشات بصورة عفوية والتي خففت من صعوبة الموقف، منها رفيقان يجلسان على ماعون رقي احدهما كان يرى قليلا والأخر يدعي انه لايرى ولكنه في رمشة عين لم يبقي في الماعون شيف واحد مما جعل صاحب البصيص يصرخ في الاعمى ولك هاي اعمى ونسفت الماعون لوتشوف سويت... النكته الاخرى أحد الرفاق (الشقندخية) قاد رفيقه الاعمى للتبول فأجلسه مكشوفا امام الجميع فحدث الهرج والمرج والضحك والصياح والصفير مع صرخات: ((هاي جاي سوي)) أدرك  حينها  الرفيق الاعمى المقلب وصعد الشروال وهو في حالة  أرتباك فالتفت الى مرافقه  ليشبعه سيل من الرزالة الرفاقية.

في هذه المعركة التي خاضها ضدنا النظام ليس فقط في السلاح الكيمياوي ولكن معها الحرب النفسسية حيث كانت أذاعة بغداد تبث الاغاني التي تتغزل بالعيون (يم عيون حراكة .. عيني ومي عني يعنيد يايابا)، ونحن نجلس في الكبرات في قمة الجبل نستمع لهذه الاغاني التي تذكرنا في فقدان البصر والحرقة الفضيعة والعيون التي اصبحت قطعة من الدم. لقد ترك القصف اثاره العضوية والنفسية على مئات الانصار وادى الى اصابات دائمة في امراض عضال ادت الى وفاة العشرات بشكل مبكر ومعاناة الاخرين من اثاره حتى يومنا هذا. ان  هذه الجريمة قد نفذت بعلم ودراية الدكتاتور وأركان حكمه الفاشي الدكتاتوري وأعقبتها جرائم بالسلاح الكيمياوي ضد الناس العزل في شيخ وسان وباليسان وسوسينان متوجا ذلك في الجريمة الكبرى في حلبجه، ولم تتم محاكمتهم عليها مثل الجرائم الاخرى بسبب رعونة القوى السياسية الطائفية القابضة على الحكم والتي حولت محاكمة صدام وأركان نظامه الى محاكمة طائفية فغمطت حق ضحايا الدكتاتورية الفاشية ونفذ الالاف من القتلة والمجرمين من المحاكمات العادلة في اطار العدالة الانتقالية.