بقلم النصير الراحل محمد خلف مجيد ( أبو شروق )

اعداد: علي محمد (أبو سعد اعلام)

إلى الذين خطّوا بدمائهم ملحمة البطولة، وكانوا امتدادا لمسيرة التضحية في سبيل المبادئ، أولئك الأبطال الذين تركوا بصماتهم في جبال ووديان كردستان وحتى عمق الوطن، إلى رفاق الدرب والمسيرة، شهداء الحزب والوطن، إلى الشهداء: د. عادل – أبو سلام ( رحيم عوده ) – أبو علي النجار – أبو يوسف – أبو سلام (نفط) – أبو شهدي – مام كاويس – كاظم طوفان – أبو كريّم – أبو رستم – أبو فيروز- أبو صلاح ( باسم محمد غانم ) – والعشرات غيرهم ممن خانتني الذاكرة عن ذكرهم ولم تغب وجوههم الحبيبة عني. وإلى رفاق المسيرة الذين عانوا البدايات الصعبة بكل تصميم وعزيمة وصمدوا بوجه الجوع والعطش وقلة السلاح والليالي الباردة الطويلة، الذين اقتلعوا الحجر والتراب بأيديهم وبنوا قواعد الحزب التي استقبلت العدد الكبير من الرفاق، إلى الرفاق: أبو يعقوب (دنخا البازي) أبو داوود- أبو جهاد- أبو علي الشايب – أبو حازم (لايج ) – أبو وجدان – ملازم خضر- ملازم احمد الجبوري – أبو رضيه- أبو هند (رتاب ) – أبو الوجد- أبو مازن – أبو روزا - كاكا خليل – أبو وسن- أبو حربي – أبو شذى وعشرات الرفاق الذين لا يسعني ذكرهم جميعا، إليهم اكتب مدونا البدايات لعلهم يجدون في ذلك حافزا للكتابة عن تجربة الأنصار.   

كما هو معروف، أن الحزب سمح للرفاق المهدد وجودهم بالسفر خارج الوطن، بغية الحفاظ عليهم من الهجمة الفاشية التي قام بها النظام الديكتاتوري الفاشي منذ صيف 1978 ضد حزبنا وكوادره وجماهيره والتي شملت كل مدن العراق بل طالت الملاحقات والتصفيات حتى الرفاق في الخارج. وكانت بلغاريا إحدى المحطات التي تم تجميع الرفاق بها ومن ثم توزيعهم، أما الدراسة أو العمل في اليمن أو التدريب في معسكرات المنظمات الفلسطينية. وهكذا وجدت نفسي في بلغاريا وتحديدا في فندق (سردنا كورا) مع العديد من الرفاق، وضم أحد الفنادق عدد من الفنانين، فأطلق عليه الرفاق أسم " فندق الفنانين". ابلغنا أنا والرفيق أبو حازم ( لايج ) وهو من مدينة الثورة وبالأصل من مدينة العمارة، كذلك الرفيق بلاسم وهو شاعر- بأن نجهز أنفسنا للسفر إلى لبنان وأن ندفع ثمن التذكرة. وصلنا المطار في الموعد المحدد ومعنا الرفيق أبو وجدان (عبد الوهاب فايز نعمه) من مدينة البصرة. في مطار بيروت استقبلنا الرفيق فخري كريم. بعد أن نادى باسمي حسب الاتفاق ورحب بنا وسألنا أن كنا بحاجة لشيء واذكر بأني طلبت منه علبة دخان فاشترى كروساً كاملا. بعدها أشار لنا بأن نتبعه. ومن دون الدخول بأية إجراءات في المطار وجدنا أنفسنا نخرج من فتحة في جدار المطار وبانتظارنا سيارة عسكرية من سيارات المقاومة. وبعد الترحيب بنا، أنطلقت السيارة مسرعة وكان الوقت ليلا. بعد أكثر من ساعة ونصف، دخلنا معسكرا وسط غابة من الأشجار تتناثر بداخله الخيام. ولغاية تلك اللحظة لم نعرف في أي مكان نحن. تجمع حولنا عدد من المقاتلين الفلسطينيين وأيضا بعض الرفاق ممن كانوا في بلغاريا. جلسنا على الأرض وبعد كلمة ترحيب قصيرة وتبادل العناق مع الرفاق أعطونا خيمة خاصة بنا. وهكذا توالت المجاميع من الرفاق بالوفود إلى ذلك المعسكر. وبعد أن تلقينا التدريب اللازم على الأسلحة المختلفة والمتوفرة في المعسكر استلمنا ملابس عسكريه كاملة مع الغترة الفلسطينية وذهبنا إلى موقع آخر. كان ذلك يوم التخرج وكانت الدفعة الأولى من المتدربين وحضر حفل التخرج أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والرفيق فخري كريم ورفاق آخرين من منظمة بيروت لا أعرفهم. بعدها اجتمع بنا الرفيق فخري وكانت حتى تلك اللحظة لم يتخذ الحزب أي قرار بشأن الكفاح المسلح.

وبعد محاضرة عن الحزب طلب منا أن يكتب كل رفيق ما يريده (دراسة أو عمل أو غيره). واذكر بأني كتبت:" أنا تحت تصرف الحزب". وهكذا من مجموع أكثر من ثلاثين تم فرز ( 18 ) رفيق وهم الذين وضعوا أنفسهم تحت تصرف الحزب. كان ذلك قبل اجتماع اللجنة المركزية للحزب في عام 1979 والذي حمل شعار:" من اجل إنهاء النظام الديكتاتوري " والذي سأعود إليه لاحقا.

ومن الرفاق الذين لازالوا في الذاكرة: الرفيق الشهيد رحيم عودة (أبو سلام)، الرفيق الشهيد أبو سلمى ،الرفيق الشهيد أبو يوسف، الرفيق أبو حازم (لايج)، الرفيق أبو مازن، الرفيق أبو سراج (غادر إلى إيران ولم يعد)، الرفيق أبو روزا، الرفيق أبو الوجد (وكأن عسكري من مدينة العمارة أصيب بالتهاب رئوي حاد في كردستان)، الرفيق أبو هند (رتاب)،الرفيق أبو رضيه، الرفيق صالح (لم يتحمل الحياة في المعسكر فعاد للوطن ولم يكمل المسيرة)، الرفيق أبو وطن ( أيضا لم يستطع المواصلة)، الرفيق أبو وجدان (عبد الوهاب فايز نعمه)، الرفيق وميض، رفيق من مدينة الحلة ،إضافة لي (أبو شروق).

بعد حفلة التخرج من الدورة التدريبية تم إبلاغنا بأننا سنتوجه لموقع آخر. وبالفعل تم توزيعنا على ثلاثة مجموعات وانطلقنا مع الفجر لجهة مجهولة اتضح لاحقا أنها مدينة طرابلس شمال لبنان، إذ لاحظنا البحر بمحاذاتنا لأول مرة بعد اشهر من التدريب في معسكر مغلق.

وتم إبلاغنا من قبل المسؤول العسكري وهو فلسطيني من الجبهة الديمقراطية بأن لا نكشف عن هويتنا، بل نقول أننا قوات خاصة أكملت التدريب في كوبا وعادت إلى لبنان. وكان سؤال مشروع أن نسأل كيف سنتصل بالحزب وبالرفاق؟ إلا أن الجواب كان (رفاق أنتم مقاتلين في الجبهة الديمقراطية وينطبق عليكم قانون القوات المسلحة الثوري للجبهة). تم توزيعنا إلى أربعة مجموعات مجموعة في مقر الكتيبة ومجموعة في مخيم البداوي ومجموعة في مخيم نهر البارد ومجموعتي كانت خارج المخيم وسط أشجار الزيتون.

وكرفاق نظمنا أنفسنا وكوّنا هيئة حزبية قيادية نظمنا فيها اجتماعاتنا الأسبوعية. أكثر من شهرين دون أن نسمع أي خبر عن الحزب أو الرفاق حتى تصورنا بأننا فقط الذين نمثل الحزب، فقد كانت إجراءات الصيانة والسرية أكثر من اللازم والممنوعات كثيرة. وأخيرا وصلتنا نسخة من اجتماع اللجنة المركزية للحزب صيف 1979 والذي كأن تحت شعار" من اجل إنهاء النظام الديكتاتوري " والنسخة وصلت عن طريق الرفاق الفلسطينيين في الجبهة الديمقراطية. والغريب أنها وصلت منقوصة فلم تصلنا الصفحات التي تستعرض الوضع الداخلي.

وعلى اثر ذلك عقدنا اجتماعا للرفاق، درسنا فيه ما وصل إلينا وقد سجل جميع الرفاق ملاحظاتهم حول كلمة (إنهاء النظام) ولماذا لا تكون إسقاط النظام. كذلك عن بقية فقرات اجتماع اللجنة المركزية لماذا وصلت ناقصة. وطلبنا ضرورة أن يصلنا رفيق من منظمة بيروت.  شهر آخر يمضي ونحن في القوات المسلحة الثورية للجبهة الديمقراطية ولا نعرف وجهة الحزب اللاحقة، بل ولا نعرف هل نحن الوحيدون في بيروت أم أن هناك رفاق آخرون!.

وأخيرا وصل احد الرفاق من منظمة الحزب ومعه (الرفيقة ذكرى) خطيبة الرفيق وميض. وبعد نقاش وشرح لسياسة الحزب ووجهته ومعه أيضا النص الكامل لاجتماع اللجنة المركزية طمئننا الرفيق بأن هناك مئات الرفاق الذين يتدربون حاليا وموزعين في مناطق عدة. ثم غادر الرفيق على أمل انتظام اللقاءات والتواصل. بعدها أقمنا حفلة زواج للرفيق وميض وذكرى (وبالمناسبة الرفيق وميض من الطائفة المندائية وغاية في الأخلاق والالتزام).

وفي بداية الشهر التاسع من عام 1979 تم إبلاغنا من قبل قيادة الجبهة الديمقراطية بالاستعداد للتوجه إلى موقع آخر. حيث توجهت بنا السيارات جنوبا وبمسيرة نصف يوم إلى موقع قريب من بيروت وهناك وجدنا العديد من الرفاق الذين كان لهم دورهم اللاحق في كردستان واذكر منهم الرفاق (أبو قصي. والرفيق أبو عدنان. والرفيق أبو أحمد وعشرات غيرهم).  وبعد الاستقبال والترحيب والفرحة الغامرة بأن الحزب لازال معافى رغم ملاحقة الطغاة، بدأنا التدريب اليومي من جديد وعرفنا قرى جديدة وبأسماء علقت بالذاكرة مثل قرى: (البيرة، أم دوخه وخربت روحه ).

بعدها بأسبوع تم إبلاغي والرفاق أبو حازم والرفيق أبو حيدر بالاستعداد للسفر إلى بيروت لأن القيادة طلبت ذلك.

عن جريدة النصير الشيوعي العدد 13