في أحيان كثيرة، يموت الشجر عطشاً بجانب مياه نهر الفرات العظيم، لكنه لم ينحني ابداً لمياه هذا النهر الجبار الذي ولدت أنا وعائلتي في الانبار على ضفافه المشمسة. وهكذا هم شهيدات وشهداء الشعب العراقي والحزب الشيوعي في بلاد الرافدين، الذين لم ينحنوا أمام دكتاتورية صدام. ذكرني الزلزال الرهيب الذي وقع في الاراضي التركية والسورية وما سببه من خسائر كبيرة في الارواح والممتلكات، بمدينتي غازي عنتاب وديار بكر اللتين مررت بهما في العام 1979 وانا في طريقي الى (قاعدة كَلي كوماته) للانصار الشيوعيين، كما تذكرت ما قالته المرحومة والدتي قبل عشرات السنين، بان المرحوم والدي الذي توفى في 1947 وهو من مواليد 1870، تم تجنيده من قبل الحكومة العثمانية ومعه الكثير من العراقيين وغيرهم من البلدان التي تقع تحت سيطرة الحكم العثماني، وقالت لي انه وصل الى مدينتي غازي عنتاب وديار بكر في العام 1914.

وتدور السنين، وها اني في العام 1979، امر بنفس المدينتين بعد 65 عام على مرور والدي فيهما. وكان مروي بهاتين المدينتين في تركيا من اجل الوصول الى وطني متطوعاً وبقناعة تامة لمقاتلة الدكتاتورية الصدامية مع بقية رفاقي الأنصار. وكما قالت لي والدتي التي انتقلت الى رحمة الله بالعام 1988  عندما كنت أنا في الحركة الأنصارية وهي من مواليد 1885، قالت ان والدك عندما كان في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى 1914 شاهد المجازر التي وقعت بحق المواطنين الأرمن الأبرياء من قبل السلاطين العثمانيين حيث تم قتل أعداد كبيرة منهم في جبهات القتال وغيرها، ووضعوهم في مقدمة العساكر التركية كمصدات لمدفعية الجيوش الغربية التي جاءت من اجل اسقاط حكم السلاطين العثمانيين وطردهم من العراق وبقيت البلدان الأخرى، ليكون الغرب بديلاً عن العثمانيين كمستعمرين جدد للعراق وغيره من البلدان الأخرى التي كانت تحت هيمنة السلاطين لمئات السنين.

التحقت بالحركة الأنصارية في العام 1979 وذلك بعد الانتهاء من دراستي في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو [المدرسة الحزبية] للأعوام 1978-1979. سافرت مع رفاقي الطيبين من موسكو إلى دمشق والتحقنا في الدورة العسكرية في (منطقة معلولا) التي تبعد بحدود الساعة والنصف عن دمشق، في المعسكر الذي يعود للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وتم تكليفي بمسؤولية هذه الدورة العسكرية لرفاق حزبنا الشيوعي العراقي، وكان مسؤول المعسكر للجبهة صديقي الانسان الطيب النقيب جلال النحاس. زارنا الى المعسكر ولمرتين، الرفيقان كريم أحمد عضو المكتب السياسي لحزبنا والرفيق صالح رأفت عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية.

بعد الانتهاء من هذه الدورة العسكرية، ذهبت ومعي رفاقي الاعزاء الى (قاعدة كلي كوماته) الأنصارية داخل الأراضي العراقية مروراً بالأراضي التركية. وعند وصولي ورفاقي للقاعدة الانصارية واصلت مع بقية الرفاق القدماء والجدد العمل والواجبات الأنصارية والحزبية بما في ذلك استكمال البناء لقاعات السكن الأنصارية.

بعد وصولِي إلى القاعدة انتقلت مجموعة من رفاقنا الأنصار بمسؤولية الرفيق دنخا أبو باز ومعه عدد من الرفاق الأنصار من بينهم حمد سهلان أبو يارا و الشهيد أحمد بربن و اخرين، وذلك إلى قاعدة كوستا. وفي قاعدة كلي كوماته كان يتولى المسؤولية العسكرية الرفيق ملازم أحمد الجبوري أبو أزدهار (أبو وليد). وبالنسبة لي واصلت العمل والواجبات الحزبية والأنصارية مع جميع رفاقي الأنصار وفي ظرف شح فيه السلاح والذي كنا بأمس الحاجة اليه الى جانب ضعف الإمكانيات المالية. وبالرغم من ذلك كانت همة وشجاعة وصمود رفاقنا الأنصار عالية جداً. وفي ظل هذه الظروف لم يتم إهمال الجوانب الثقافية ومتابعتنا السياسية ومن هنا قمنا بإصدار النشرة الجدارية الأولى في كلي كوماته (جريدة النصير) في شهر يناير من عام 1980 وطلبت انا من الرفيق النصير أبو احسان البصري أن يقوم بتنضيد (ترتيب) المواضيع التي نقوم نحن الأنصار بكتابتها لجريدة النصير في المجالات السياسية والفكرية والثقافية والطبية التي تولى كتابتها الشهيد د غسان عاكف (د. عادل)، و كذلك عن الحركة الانصارية (البرتزانية) خلال الحرب العالمية الثانية ضد النازية، إلى جانب النشرة الأخبارية التي يقدمها يومياً الرفيق النصير فیصل أبو رضية، وكنا نضع (جريدة النصير) على الجدار في مدخل القاعة الكبيرة بالجانب الأيسر. هكذا كان نشاطنا المتواضع نحن الأنصار في هذا المجال، واستمريت في تواجدي في منطقة كلي كوماته ..

جاء في الشهر الثالث من عام 1980 الرفيق ملازم خضر أبو رائد إلى كلي كوماته كمسؤول عسكري بدلاً عن الرفيق ملازم احمد الجبوري، وكان مع ملازم خضر الرفيق عمر الياس العضو المرشح للجنة المركزية كمسؤول سياسي، وبعد فترة زمنية وتحديداً في 1980/5/1  انتقلت ومعي ملازم أحمد الجبوري أبو زدهار (أبو وليد) ومعنا الرفيق النصير غنى ابو سامان (ملا عزيز) المسؤول الحزبي السابق في محافظة ديالى ومعنا مفرزة من ثلاث رفاق لغرض الذهاب الى نوزنك. ومروراً بكردستان ايران التي كانت تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (حشكا) ثم واصلنا المسير الى مدينة شنوية، حيث مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي (حدك) والتقينا مع الاخ مسعود البارزاني الذي كان ينوب عن أخيه الأكبر المرحوم ادريس البارزاني الذي لم يكن متواجداً في المقر، وبقينا يومين في ضيافة الاخ مسعود وبترحيب كبير بنا من قبله وبقية المتواجدين معه.. وبعد ذلك واصلنا المسير لغاية وصولنا الى منطقة نوزنك، ومن هناك ذهب كل رفيق منا إلى المكان المقرر ان يذهب اليه .

بالنسبة لي ذهبت الى منطقة نوكان (الجوزة) وكان هناك فصيلان، فصيل القيادة والمتواجدون فيه من اعضاء اللجنة المركزية، فاتح رسول أبو اسوس مسؤول الإقليم، و أحمد باني خيلاني أبو سرباس، وعبد الوهاب طاهر أبو سعد إلى جانب الرفاق الآخرين من الأنصار منهم: علي مالية وابو احلام مالية واخرين، وفصيل بغداد الذي كان من بين المتواجدين فيه، أنا والرفاق صفاء ابو الصوف و نوري ابو صباح و الشهيد لازار ابو نصير و رفاق اخرين، وتم تكليفي كمسؤول حزبي لهذين الفصيلين المجاورين لبعضهما.

تشكلت اللجنة الحزبية في منطقة نوكان (الجوزة) بمسؤولية الرفيق فاتح رسول أبو اسوس، وعضوية الرفاق: نوري أبو صباح وقاسم أبو الجاسم وعجيل وأبو سربست الايزيدي ورفاق اخرين، وكانت هذه اللجنة الحزبية هي التي تقود العمل الحزبي لفصائل الأنصار في منطقة نوكان: و تم انتخاب مكتب لهذه اللجنة الحزبية من الرفاق : 1 - فاتح رسول ابو اسوس وهو عضواً فى اللجنة المركزية ومسؤول الإقليم وهو مسؤولاً لمكتب لجنتنا الحزبية للفصائل الأنصارية في المنطقة 2 - نوري ابو صباح عضواً في مكتب اللجنة الحزبية. 3- قاسم أبو الجاسم عضواً في مكتب اللجنة الحزبية ومسؤولاً للمالية ومساعداً لابو اسوس مسؤول اللجنة الحزبية.  وخلال وجودي في نوكان وفي يوم 1980/7/17 تعرضنا نحن الانصار في منطقة نوكان (الجوزة) الى هجوم بحدود الساعة 12 ظهراً من طائرات النظام الصدامي الحربية ولعدد من الغارات إلى مقراتنا الأنصارية، ونجونا بسلام جميعاً من هذه الغارات الجوية.

تواجدي في الحركة الانصارية وبحكم عملي الانصاري والحزبي، فرض علي التنقل من مكان الى اخر مثل بقية الرفاق الانصار، فانتقلت بعد معارك بشتاشان في 1983 الى لولان ومكلف بمسؤولية مقر الضيافة بالقرب من مقر المكتب السياسي لحزبنا الشيوعي العراقي وعلاقتي الحزبية مع الرفيق باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي. في أواسط عام 1983 انتقلت من منطقة  لولان الى منطقة بارزان، وذلك بحكم تكليفي بالعمل الحزبي لتنظيم الداخل وبالتنسيق مع بعض من رفاقي في قيادة الحزب مثل الرفيق باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي ومسؤول لجنة التنظيم المركزية لحزبنا الشيوعي ولمشاركتي بمتابعة الخطوط (العقد التنظيمية) مثل خط (مقدام) في بعض من مناطق بغداد والتي كانت مرتبطة تنظيمياً مع باقر ابراهيم، والتي كانت واحدة من الخطوط الحزبية داخل الوطن ايام النظام الدكتاتوري الصدامي. ونظراً لذلك ولمتطلبات العمل الحزبي لتنظيم الداخل تواجدت ضمن قاطع اربيل وفي منطقة بارزان التي مكثت فيها الى النصف الثاني من عام 1984، لغرض استقبال المراسلين الحزبين والبريد الحزبي من داخل الوطن، و بنفس الوقت ارسال البريد الحزبي وبعض الاشياء مثل جهاز طابعة او قطعة سلاح .. وكان يتم عملي بالتعاون والتنسيق بيني وبين محلية اربيل من خلال مسؤولها الرفيق نجم الدين مامو ابو سلام، وهذا العمل كان يتطلب مني تدقيق المعلومات عن اصحاب السيارات الذين يتم من خلالهم نقل مراسلينا من بارزان الى المناطق القريبة من المحافظات داخل الوطن.

عن جريدة النصير الشيوعي العدد 13