قبل ان ينتقل فصيليّ المكتب العسكري والاعلام من منطقة (دراوه) الى (خواكورك) التي هي اقرب للحدود الايرانية من سابقتها، تقرر ان تُرسل مفرزة تتجول في القرى القريبة ولسببين، الاول وهو الظاهر، تقديم خدمات طبية، والثاني وهو المخفي، لمعرفة نشاط الجحوش والقوات النظامية اذا كان هناك اي تقدم نحو مقراتنا. ومن هنا يمكن ان نعكس الامر ونقول ان سبب نقل المقرات نحو الحدود كان نتيجة تلك المعلومات التي حصلت عليها تلك المفرزة.
المفرزة تكونت من اربعة رفاق: النصير الفقيد ابو تانيا والنصيرة نادية كأطباء، ورفيق اخر (لا اتذكر اسمه، ربما نجاد او ابو كاوه) للحماية والترجمة والرفيق رمزي للحماية ايضاً.
للوصول لاقرب قرية نحتاج اربع ساعات (هل احتاج ان اذكر " مشياً "). صعدنا الجبل الذي يشرف على قرية (دراوه) من جهة الغرب، ثم ينبسط امامك سهل واسع مكسوا ببساط اخضر على مد البصر. ورغم جمال المنطقة فليس هناك اي أثر للحياة. لا انسان ولا حيوان، فتشعر وكأنك على سطح القمر مع اختلاف القشرة الخارجية. فتبدأ الاسئلة تطرح نفسها: هل نحن على الطريق الصحيحة؟ ويأتيك الجواب من ر. ابو تانيا بنعم، وتؤيده ر. نادية وتقول انها ليست الزيارة الاولى. نحن نحث الخطى صامتين مع قلقٍ من المجهول وغدر الجحوش.
نهيق حمار ونباح كلاب كانت العلامات الاولى للحياة، وبعدها بدأت تظهر لنا الاكواخ الطينية لفقراء شعبنا الكردي. عملنا جولة (صحية) بزيارة البيوت التي فيها مرضى، وكان البعض من القرويين يرغبون ان يضيفوننا على سعة حالهم كما تعودوا ذلك على مر السنين. ورغم الجوع الذي اصابنا كنا نرفض ونبين للفلاحين بضرورة معاينة المرضى اولاً ومن ثم سوف نقف عند احد البيوت للطعام.
وهذا ما حصل بالفعل. وسأروي لكم، اعزائي الانصار والقراء، الحادث الذي لولاه لما دونت هذه الحكاية الصغيرة.
توقفنا عند احد البيوت، ورجونا صاحب البيت ان يطعمنا مما استطاع له سبيلا. فلاح بسيط في متوسط الثلاثينيات من عمره، وخلفه جلست زوجته التي لم ترفع رأسها نحونا ليس استعلاءً وانما خجلاً من فعل زوجها.
قال الفلاح: لماذا يجب عليّ ان اطعمكم؟، فقلنا له ليس هناك واجب عليك وانما نحن بيشمرگه وانت تعرف ما متعارف عليه في مثل هذه الزيارات، قال عندي سؤال اذا كان جوابكم ايجابي سأوفر لكم الطعام واذا كان سلبياً فأعذروني. هذا الفلاح ذكي وكان يعرف مقدماً ان جوابنا سيكون سلبياً، ولكننا قلنا ما هو سؤالك؟
قال: غدا اذا اسقطتم النظام واستلمتم السلطة فهل سوف تعطوني النفط بلا مقابل؟. ويعلم القارئ اللبيب ان الجواب سيكون سلبياً.
جمعنا ما نملكه من حجج وثقافة يسارية بأننا سنكون مختلفين واننا كذا وكذا..........الخ. لكنه كرر بأنه سوف يشتري النفط تماماً كما يفعل هو الان، وعليه بالنسبة له لا فرق بين ما يأتي وما موجود الان. وانهى حديثه انني لا اقدم اي طعام.
اثناء الحديث جاء فلاحان وتكرما علينا بالغداء والشاي وقالا ان هذا الشخص مشاكس، وكأنهم يعتذرون عوضاً عنه. كان درساً وما اكثر الدروس من بسطاء الناس.