لا زلنا غرباء رغم ان الوطن لا یبعد عنا سوى بضع من الكیلومترات

رزموا امتعتنا على ظھره وھو لا یبالي بما حوله وبالتاكید لا یھمه مصیرنا ومتاعبنا على الاطلاق وبكل الثورات قدیمھا وحدیثھا، وھو مستمر بتناول غذائه من حوله وما توفر له من الحشیش واسئلة اخرى كثیرة لا تھمه لا من قریب ولا من بعید. فمنھا على سبیل المثال ماذا یكون الحال ان وقعنا في كمین مع العسكر المنتشر في ھذه المناطق التي تعد من المناطق الساخنة في تركیا؟، وما ھو في وضع تركیا السیاسي السيء؟ وكیف وصلت الدیكتاتوریة في العراق؟ وما دور ھونیكر سكرتیر الحزب الاشتراكي في ألمانیا الدیمقراطیة بتدریب رجال الأمن من أجل التعذیب والقتل عندنا في العراق الذي ننوي (تحریره) من ظلمه؟؟، وعلى الاقل فھذا البغل لا یعرف ماذا یدور في ذھننا من افكار وفي مقدمتھا اننا لا زلنا غرباء رغم ان الوطن لا یبعد عنا سوى بضع من الكیلومترات.

وخلاصة الامر انه لا یفھم الا وجوده ویأكل حینما یجوع وحتى راحته فھي لیست ملكا له، انه یحمل الامتعة وغیرھا لیعود بنفس الوتیرة انه مجرد الة ولكن حین أكملوا رزم الامتعة بقوة على ظھره وكاد الحبل یقطع اسفل بطنه، وتھیئنا بعد ما تھیأ ھو على المسیر. وبھذا اصبحنا أكثر خفة لا نحمل شیئا على ظھورنا ولم یبقَ ما نحمله ھو وثائقنا المھمة وحملناھا لامرین: الاول لسھولة التخلص منھا عند الضرورة والامر الثاني ھو اعتزازنا بھا لان جزءا منھا ھو اثبات لھویتنا العراقیة.  كان مسیرنا على ضوء القمر الشاعري والذي یزیده شعور غریب ھذا الھدوء المطبق والذي یخلو حتى من اصوات الكلاب البعیدة. ونحن نسیر بدون ضوضاء الا من الاصوات والروائح المصاحبة التي تصدرمن ھذا البغل بین الحین والآخر، واذا اراد احدنا لحاجة ما فیتم ذلك عن طریق الاشارات وان الوضع یستدعي ھكذا لاننا نسیر بالقرب من احدى المدن وبمحاذاة مقلع للحجر وضوء السیارات المتقطع نشاھده بین الحین والآخر ولكنه لا یغیب عنا . ان مثل ھذا المشھد لم یخطر ببال احد منا ولم نسمع به الا من خلال الافلام السینمائیة او المسلسلات التلفزیونیة .مر علینا ھذا الصمت والمسیر لاكثر من ساعتین وھنا امرھم الدلیل (الرئیسي) بایقاف صاحبنا البغل وكان ضننا ان شيئا ما قد حدث او سیحدث، وانتابنا شيء من القلق ونحن متلھفون لسماع ما یقوله دلیلنا الكبیر. لم نسمع منه شیئا یذكر وراح اثنان من الذین یرافقوننا الى فك الحبال التي تطوي ظھر بغلنا وانزلوا الامتعة منه. تكلموا مع بعضھم البعض وكالعادة بلغة لا نفھمھا وكأن الامر لا یعنینا ابدا الا اننا علمنا بان رفقتنا مع البغل قد انتھت ولھذا علینا ان نؤدي دوره في حمل امتعتنا (حقائب الظھر السیاحیة) بامتیاز. حملنا امتعتنا ومضینا بالمسیر والصعود على التلال المرتفعة نسبیا وكلما زاد تعبنا شعرنا باھمیة (صاحبنا) البغل ویزداد ھذا الشعور كلما ازداد ارتفاع التلال. علینا ان نسیر وان نقطع المسافة المقررة شئنا ام ابینا مھما كلف الامر أو ارتعاش الارجل من الوھن. استمرت حالتنا ھذه حتى الفجر ولقد قطعنا مسافة تبلغ 40 كیلومتر بزمن تجاوز الثمانیة ساعات وكما ھو معروف ان معدل السرعة یقاس بـ 5 كیلومتر في الساعة الواحدة تقریبا .

وصلنا في الساعة الرابعة والنصف صباحا الى قریة جبلیة صغیرة ھادئة لوحدھا متوسطة لھذه التلال، وھناك التقینا برفیقین كانا ینتظران قدومنا بعد ان وصلا الى ھذا المكان بطریقة اخرى اذ لم یعبرا الحدود السوریة –التركیة كما فعلت مجموعتنا بل عن طریق التھریب وان ذلك كان اخطر بكثیر من وضعنا... وبعد اجراء مراسم التحیة جلسنا قرب النار التي اشعلوھا مسبقا وكل منا غط في نوم عميق .وفي احلامنا كما ھو في یقظتنا فھمنا اكثر اھمیة البغل ذلك الحیوان الھادئ الصبور وفھمنا لماذا قبله احد رفاقنا تكریما لدوره الذي لا ینسى!.

*  فصل من كتاب (( تجربتي ))  للدكتور محمد الحجاج