لم أعرف أحداً لا يخشى العقارب، أما أنا فترعبني حتى وان شاهدتها في صورة!. كنا صغارا ً وقد جاء أحدهم بكمية من الملح وقال ان من يتناوله سيقي نفسه من لدغة العقارب، وقد تناولته مع الآخرين، لكن الملح لم يمنحني الشجاعة لمواجهة العقرب، بينما اندفع اطفال اخرون للبحث عن العقارب في شقوق الجدران وفي الخرائب، إلا أني لم اشاركهم في ذلك ولم أذهب قريبا من أماكن البحث عنها. مضتْ فجوة ٌ كبيرة من الزمن ووجدت نفسي في ليلة عاصفة من ليالي الصيف في شهرزور، كنت قد استعرت بطانية من بيت أحد الفلاحين بعد العشاء عندهم حسب التوزيع على أن اعيدها في الصباح وتناول الفطور عندهم أيضا، فقد كنا نعيش عالة على الفقراء الفلاحين الكرد!، وعلى تلّة في العراء فرشت بطانيتي وصنعت وسادة من متعلقاتي. جو حار ورياح قوية، فلا بد أن تخرج العقارب من مخابئها، وقبل أن أضع رأسي على وسادتي رأيت هناك عقرباً كبيرا ومرعبا ً بحق على الوسادة مباشرة ً، وبدون تفكير دفعته بيدي فجرحني في ابهامي الايمن، ورحت أبحث عنه بجنون ويا للمفاجأة وجدته عل ذيل البطانية، فقد كان مصراً على منازلتي!، ضربته بقدمي هذه المرة وإختفى مرة أخرى، لكني أحسسته داخل شروالي، فأمسكت به هناك مانعاً اياه من الحركة. طلبت المساعدة فحاصره النصير (ابو زاهر) بين حذائين لأحرر يدي وأنزع الشروال، كان العقرب قد مات، وكان علينا (دكتور أبو عادل وابو زاهر وأنا ) أن نطرق باب أحد الفلاحين لتضميد إبهامي على ضوء فانوس.
ومرة أخرى كنا في مقر مؤقت خلف بحيرة دربنديخان، أمامنا جبل زمناكو وخلفنا حلبجة، نام الجميع في الخيم لكني لم أنم، كنت انتظر نوبتي في الحراسة والتي ستكون في مقتبل الليل، كنت أستمع كالعادة لأذاعات من الراديو الصغير الذي أملك، ولا أدري مالذي دفعني لإضاءة مصباحي اليدوي، فسقط ضوءه في الجهة المقابلة على عقرب لا يبعد سوى سنتمترات عن وجه أبو فلاح، تجمّد العقرب في مكانه فسارعت إلى قتله وتركته هناك للبرهان، لكن النمل كان قد نقل أغلبه في الصباح.. أنقدت حياتك يا صديق!.
الصورة في شهرزور لكاتب الخاطرة (على اليسار) مع النصير كامران