في نهاية غروب يوم اختلط فيه صفير الرياح مع صوت بوم نسمعه و لا نراه، وصلنا قرية هيلوه ليلا في دشت اربيل الذي كنا نجول فيه بصحبة مفرزة للانصار التي التحقنا بها بعد اطلاق سراحنا من السجن الصغير وهروبنا من السجن الكبير بمساعدة المناضل محيي الدين حسن، عقب سنوات من الاعتقال والقهر....

تم توزيعنا على شكل مجاميع صغيرة، كل ثلاثة او اربعة انصار ضيوف عند عائلة من تلك العوائل التي ما فتأت تستقبل المقاتلين منذ عقود دون كلل او ملل لحلمها بأمل وأن كان بعيدا.

بعد حين، حدث هرج وجلبة، بين فتيان القرية وشبابها، بعد ما عرفوا أن مفرزة من الانصار ضيوف قريتهم، يسألون عن النصير ابو ميلاد؟، فعرفنا السبب وبطل عجبنا، حيث النصير ابو ميلاد يعرف و يحفظ أغاني الدبكة الكردية الفلكلورية عن (ظهر قلب). بعدها بدأت الدبكة وابو ميلاد ينشدهم والكل اجتمع حوله بدائرة كبيرة يرقصون ويرددون ما ينشد حتى وقت متأخر من الليل .

في الصباح كنا مشرئبين حول المدفأة من برودة الخريف اللاسعة، مكونين نصف دائرة، مستمتعين بالدفء والفطور البسيط وسط العائلة، ورياح نهاية الخريف تنبئ بشتاء قارص .في ذلك الصباح الذي ذاع فيه مفاجأة النبأ الرهيب، وكأنه قصف رعد من فم فتي كان يصدح: (قوة هات .. قوة هات)، نحن الملتحقون الجدد لم نفقه المعنى الذي كان ينادي به ذلك الصبي بقوة، لكنا شاهدنا الوجوم والارباك على وجوه الاخرين، مما عنى لنا أن بوادر شؤم تلوح في سماء المكان .

سألت النصير الذي يشاركنا الضيافة: ما الآمر؟ اجابني وهو يلف (البشتين) حول وسطه على عجل :كنا نعلم أن قوات من الجيش ومرتزقة النظام تجوب المنطقة، لكنا لم نتوقع وصولها بهذه السرعة، واستعدوا لما هو أت!.

في الليلة الماضية كانت قوات النظام ومرتزقته تطارد احدى فصائل (البيشمركة) التي تمركزت في قرية شيخ وسان المجاورة .مفرزة دشت اربيل، التي التحقنا بها منذ شهر، تتألف من اربعين نصير، من خيرة الانصار المجربين في معارك سابقة بشجاعتهم وحنكتهم أثناء القتال وجرأتهم باقتحام الكمائن والتخلص منها بأقل الخسائر، ولخطورة المنطقة وقربها الشديد من مؤسسات النظام الآمنية والعسكرية، تواجد الانصار في تلك المهاد هو عملية اصرار على مواجهة النظام وتحدي جبروته .

بعد أن أخليت القرية من سكانها، حيث سلكوا الوهاد والممرات الخلفية، جاء قائدا المفرزة: (ابو احلام وابو احرار) والاصرار باد على وجهيهما، اجتمعوا بالنخبة من مقاتلي المفرزة، ازاد، عصام، عادل برانتي، رياض، سه ركوت، واخرين، استعدادا للمعركة. كنا نراقب عن بعد حركات المجتمعين والايادي تومئ الى كل اتجهات القرية. بعد ان انفضوا، ذهب كل الى موقعه الذي حدد له. حينها نادى علي ابو احرار وسألني :رفيق هل تجيدون استخدام السلاح انت وصاحبك؟ اجبت دون تردد : وهل يوجد انسان في وطننا لايجيد استخدام السلاح في زمن الحروب .ربت على كتفي باسما وأشار الى احد الانصار أن يسلم لكل منا بندقية مع العتاد اللازم. فرحت بتلك المبادرة، لا بتسليحنا، بل بمنحهم ايانا ثقتهم التي ليس من السهل الفوز بها .

هرعت للجدار الطيني المقابل لقوات النظام ومرتزقته وبدأت احفر كوة للنار، ومن خلال تلك الكوة هالني ما رأيت من كثرة القوات والمرتزقة، وكأنهم سيحاربون جيشا جرارا وليس مجموعة من الانصار لا يملكون من السلاح مثل ما تملك قواتهم ألا قوة مبادئهم وايمانهم بشعبهم، في تلك الاثناء مر بالقرب مني ابو ميلاد أردت ان أسأله فبادرني بالسؤال :

_ ما الذي تفعله يا رفيق؟، اجبته وانا منهمك بثقب الجدار: كما ترى افتح كوة في الجدار ليتسنى لي الرمي من خلالها، رد عليّ باسما :

_ انهض رفيق انهض ،بعد قليل (راح يصير لطم صواريخ مو لطم ...........) .

ضحكت من تلك النصيحة البذيئة، وأشار عليّ ان ادخل احدى الغرف المقابلة لقوات النظام، أثناء ذلك نقلت له ريبتي مما رأيت من كثرة العدو و معداته، فردّ علي بامتعاض وبعربية فصيحة ساخرة :

_ والله يارفيقي العزيز (ما عاق عزمنا مثل خوف العواقب). بعد ان تركني محرجا، ألتفت اليّ مناديا :

_ يا رفيق اذا قدر لنا ان نعيش سوف أسمعك قصائد لمظفر النواب لم تسمعها من قبل، قد تعجبك لكونها نادرة والجدار اياك ان تقترب منه ألا عابرا اياه والى ان نلتقي .

بعدها ران صمت كصمت الصخور، تهيأ لي حينها بأننا خارج حسابات الكون وايقاعته، محاصرين بجيش جرار يتجحفل امامنا على شكل حدوة حصان، مجهز بكل اسلحة الموت، أغلقت جفوني على رؤى دوامات قادمة بقوة تبتلع كل ما حولها بلا أستثناء، حتى نبهتني حركة احد الانصار الذي أتى يتلبد بمحاذاة الجدران يخبرنا بأن لا نطلق النار ألا بأمر، وأن لا نتحرك خارج الغرف ألا بعد بدء المعركة، وذهب كما أتى .

بعد حين تناها الى مسامعنا هدير طائرات مروحية، وخلال دقائق حلقت فوق رؤوسنا تستطلع القرية التي نكمن فيها، ثم وجهت نيران صواريخها ومدافعها الى قرية شيخ وسان المجاورة التي تكمن فيها مفرزة البيشمركة المطاردة. في تلك الاثناء وحين افرغت الطائرات ذخيرتها، توجه نحو القرية التي نكمن فيها رتل من السيارات المختلفة يتكون من احدى عشر سيارة تقريبا محملة بالمرتزقة وقليل من ازلام النظام مدججين بكافة انواع الاسلحة ولا يعلمون بوجودنا. فكمن لهم الانصار، وكان الاتفاق ألا احد يطلق النار حتى دخول اخر سيارة للقرية. وبدء صوت الموت، وكأن انفجار هائل قد حدث، لكون الانصار اطلقوا الرصاص في وقت واحد ومن مختلف الاسلحة في اللحظة ذاتها، حينها اختلط صوت الرصاص بهتاف الانصار و صراخ المرتزقة، تراءت لي مرة اخرى تلك الدوامات وهي تبتلع عربات الرتل الاتي ليقتلنا واحدة تلو الاخرى حتى أخرها، ثم حل لوقت قصير سكون حذر، بعدها فتحت علينا كل ابواب جهنم دفعة واحدة، حيث بدأت مدفعية العدو تقصف القرية بشكل مكثف، في كل متر مربع عدة قذائف من اليمين الى اليسار وبالعكس، وانهمر الرصاص علينا كالمطر، كنا محظوظين بان بيوت القرية قد شيدت من الطين، تاتي القنابر والصواريخ من فوهات مدافعهم (لتخمد) في الارض الزراعية الهشة او في الغرف الطينية. المروحيات تحلق في المدى الفاصل بين الموت والموت، لتفرغ حممها فوق روؤسنا، كان النصير سه ر كوت يمد جسمه حين يصوب نحو هدفه رغم اعتراض باقي الانصار وخوفهم عليه، ليضمن وصول رصاصاته للعدو، قوات النظام ومرتزقته نسوا امر مفرزة البيشمركة التي كانوا يطاردونها طوال الليل الماضي، حين عرفوا بان مفرزة الانصار تتخندق في قرية هيلوه، كانت مدرعة تتقدم نحونا مسرعة، تركوها الانصار لنقطة معينة حيث كمنوا لها، عند وصولها لخط معين تصدى لها خارج القرية احد الانصار الميامين، فعادت كما اتت والدخان يتصاعد من احد جوانبها، كان منخفض من الارض بيننا وبين العدو، تسلل اليه المرتزقة عدة مرات فلم يفلحوا حيث كان لهم الانصار بالمرصاد. في ظهر ذلك اليوم الرهيب، باغتتنا طائرتان مقاتلتان مثل البرق تقيئتا صواريخهما نحونا لكنا لم نصب بأذى لعدم تمكنها من ضبط هدفها، من خلفنا قرب التلال الزرق التي كنا نأمل بالانسحاب نحوها وقت حلول الظلام، تم انزال قوات خاصة بمروحيات عصر ذلك اليوم الذي شكل لنا نحن الملتحقون الجدد اطول يوم في التاريخ، عند حلول الظلام حين بدأت الرؤيا تنعدم قليلا، اخذ المرتزقة و قوات النظام بالتقدم نحونا، في المرحلة الاولى جثو في المنخفض الفاصل بين القرية وموقعهم. كان قادة المفرزة طوال فترة المعركة يدورون حول المقاتلين كالاسود التي تذود عن عرينها حين يداهمها خطر، حينها قسموا المفرزة ثلاثة مجاميع الاولى تشاغل العدو من الامام، والثانية تخلي الجرحى، والثالثة تقتحم الكمين لتفتح لنا طريق الانسحاب، وكانت المجموعة الثالثة اول من قام بالمهمة حيث اقتحموا الكمين القابع في طريقنا، في القرية اصبح القتال من غرفة الى غرفة، كنا نسمع المرتزقة ينادون على ابو احلام و ابو احرار بان يستسلموا، فكان رد الانصار زخات من الرصاص تخرسهم لحين، حتى انسحبنا، كان اول المنسحبين، مجموعة اخلاء الجرحى ونحن معهم، كانت المجموعة الاولى تغطي على انسحابنا، والمجموعة الثالثة امامنا تستكشف الطريق خوفا من الوقوع بكمين اخر، حيث لازال جيش النظام في المنطقة.

بعد وقت ليس بالقصير، وصلنا قرية تجمع اهلها بانتظارنا خارج بيوتهم ليمدوا لنا يد العون بمساعدتنا لنقل الجرحى في تركتراتهم الزراعية، واخذنا الى بيوتهم لنرتاح قليلا، بعد ان ظنوا بان لا احد منا على قيد الحياة عقب معركة خرافية غير متكافئة. قبل ان تنقضي ساعة على استراحتنا جاء الامر ان نغادر، وتركنا القرية تحت جنح الظلام ودموع النساء داعيات لنا بالسلامة، حتى وصلنا قرية قرب الشارع العام صباح اليوم الثاني، كانت الاوامر ان لا ندخل في البيوت، وانما نتفرق بينها لحين ايجاد حل، حتى عثر ابو احلام على شاحنة حمل اغنام بطابقين، واتفقوا مع صاحبها رغم تردده على ان يوصلنا الى مكان غير بعيد لكنه امين، كانت العقبة ان طريقنا لابد ان يمر بسيطرة تابعة للنظام لكنها غير اساسية، وتجاوزناها بسلام، حين وصلنا الى المكان المقصود، بدأنا نتفقد بعضنا، علمنا حينها ان النصير سمكو والنصير عادل والنصير بيشرو والنصير سه ركوت قد استشهدو، حينها ارسلونا مع مجموعة من الانصار ليوصلونا بدورهم الى مفرزة اخرى وبعدها الى المقرات، اثناء مسيرنا كان النصير رياض يحدو بنا بنشيد: سنمضي سنمضي الى ما نريد..........

...........................................................................................................

الانصار الذين اشتركوا في المعركة هم ***:

الرفيق سعدي سعداوي (منعم) المستشار السياسي للفوج الخامس

سرية قرجوغ (سرية الشهيد آرام)

1:  أبو أحلام – جاسم الحلفي- المسؤول العسكري

2:  جوتيار- المستشار السياسي

3:  د. عادل

4: رياض - نجم خطاوي

5:غسان - أحمد جباوي

6: إبراهيم بله

7: سيار هيلوا

8 : بيستون - شقيق شهيد آرام

9: ملا طه – شيخ شيروان

10: رزكار أبو مرسي گرد عه زبان

11: هه ژار گچكه

12:  پولا گرد عه زبان

13:   كاردو گرد عه زبان

14: شمال – عبد الله

15: إسماعيل علياو

16:  حاجي دهام دارا خرما

17:  تانياس مخموري

18:  لاوا- شمال

19:  هندرين دارا خرما

20: زيرك هيلوه

21:  هيوا شقيق الشهيد سالار

22:  كارزان ماستاوه

23:  شوانه سورباش

24:  سفين

25:  جيگر

26: وشيار گرد عه زبان

سرية برانتي (سرية الشهيد بشرو)      

1. ابو أحرار- المسؤول العسكري للسرية

2. علي الصجي- أبو عماد- المستشار السياسي

3. بيشرو – ممتاز

4. د. سمكو روندوزي

5 .   سركوت خدر كاكيل

6.  سردار شيرا

7.   كامران كاستروا

8.  ادل شبك

9.  عصاعم

10.  هوبي 

11. سلام   

12 . آرام شاهين

13.  خسرو – منهل

14.  شورش

سرية دشت أربيل (سرية الشهيد عباس)

1.  كانبي گچكه - المستشار السياسي للسرية

2.  شيخا

3.  ابو ميلاد

4. د. ازاد

5.  كريم ( مشعل)

6.  هوشمند

7.  شاكر محمود يد قزلر

الملتحقون الجدد من الأنصار العرب وهم:

1. عزيز عبد الحسين راضي ( محمد)

2.  جهاد علي ( أبو جهاد)

3.  حسام رحيم ( أحمد)

4. عبد الرضا كاظم ( أبو خلود)

*** : متابعة النصير الشيوعي