في يوم ربيعي مشمس كان صوت علي عباس يصدح في وادي (خورنوزان) حيث مياه نهر (ئاو سبي) المتراقصة مع النسيم الربيعي والذاهبة نحو منطقة الداودة الخضراء خاصرة قضاء طوز خرماتو الزراعية. كان ذلك اليوم السادس عشر من اذار عام 1982 حيث توجهت مفرزة من الفصيل الأول السرية الرابعة كَرميان من قرية (قوالي) فجرا لتختفي في صخور (بناركل) قرب وادي خورنوزان على ان يبقوا مختفين حتى الظهر ثم يتوجوا الى قرية (كرمك) التي تكون المحطة الأولى قبل الذهاب مساء للقيام بعملية هجوم على سلسة الربايا المشرفة على قضاء طوز خرماتو بمناسبة الذكرى 48 لتأسيس حزبنا.
لكن الرفاق سيد غريب وسيد صلاح وبختيار لم يلتزموا بتوجيهات قيادة السرية في التخفي والابتعاد عن الرعاة، وعندما تم كشف مكانهم في الصباح الباكر، حاولوا تلافي ذلك وانتقلوا الى مكان اخر في نفس المنطقة، ولكن خبر تواجد المفرزة قد تم نقله من قبل مخبري السلطة بواسطة سيارات الجيب التي تنقل الفلاحين الى المدينة صباحا، وصار لدى استخبارات طوز خرماتو علما عن خط سير المفرزة. وعلى عجل تم تحريك اللواء المجولق من الفيلق الثالث كركوك الى طوز خرماتو وبمساندة جحوش (قالة فرج) الذين تم نقلهم الى ناحية نوجول، وكانت المنطقة مراقبة من ربيئة الامام علي المشرفة على منطقة الداودة وقضاء طوز خرماتو، بالإضافة الى الربايا والجحوش الذين كانوا يراقبون الجزء الثاني من (البناركل) باتجاه قرية هيره سور.
في الساعة التاسعة والنصف اخبر الحرس المفرزة بان طائرات سمتيه قد حطت في ناحية نوجول قادمة من طوز خرماتو، وكان الحوار بين رفاق المفرزة والذين اغلبهم من أبناء المنطقة ومن قرى هيره سور وكرمك ولطيف اغا، بأن القضية عادية وهي روتينية تتم باستمرار لنقل الارزاق والجنود، ولو كان هناك تحرك للجحوش والجيش لكانت الطائرات قد مشطت منطقة (البناركل) بجانبيه وجالت وصالت في منطقة الداودة، وهذا يعني ان الوضع امن ولا نية لهم في التحرك اليوم الى المنطقة.
كان هذا الحدس الذي تحدث به سيد صلاح يمازجه شوقه للقاء حبيبته في كرمك وشوق سيد غريب للقاء زوجته وأمه ولهفة بختيار للتمتع بالنظر الى فتيات كرمك اللواتي يحملن الماء من ئاو سبي الى القرية. تحركت المفرزة التي يتقدمها سيد غريب وهو يحمل (الاربيجي) والذي أنحنى ظهره النحيف من ثقل قاذف (الاربيجي) وبندقيته الكلاشنكوف، ويسير الى جانبه إبراهيم العدد الثاني لقاذفة الاربيجي، ومن بعدهم سيد صلاح، وبعده حمه بك زاده، وقفل المفرزة علي عباس (بختيار) وهو يصدح بصوته الشجي بأغاني حسن زيرك، و كان كل ما أقترب من القرية ولاحت له الوان فساتين الفتيات الذاهبات لنقل الماء من النهر الى القرية، يصدح صوته الشجي أعلى فأعلى بأغاني حسن زيزك التي تداعب مياه ئاو سبي المتراقصة مع نسيم الربيع.
حين صعد سيد غريب حافة النهرمتوجه الى القرية وخلفه إبراهيم وصلاح وبعدهم رشيد وكريم وحمه زادة ومن بعدهم الرفاق الاخرين، كان حمه بك زاده مرتبكا ومتفاجأً من قرب الطائرات السمتية وأنزالها الجنود في اطراف القرية، فيما حاول الرفاق الاخرين الاحتماء بجدران البيوت لتلافي الرصاص المنهمر عليهم من الطائرات السمتية والجحوش المتقدمين نحو النهر ومن الجهة الأخرى من القرية، وبدأ الرفاق خوض معركتهم عبر التسلل الى وسط القرية وتوجيه ضرباتهم للقوات المتقدمة لأعاقتها من التقدم لمحاصرة رفاقهم الثلاثة الذين كانوا يصدون الانزال والهجوم على الجهة الجنوبية من القرية، حيث لم يستطع بختيار قفل المفرزة من الصعود الى القرية فبقي على حافة النهر محتميا في الشقوق الجانبية التي احدثتها السيول والامطار، بينما حاول الاخرين المتسللين الى وسط القرية بعد نفاذ عتادهم الدخول الى زرائب الحيوانات للاحتماء من دوشكات الطائرة السمتية. كانت الاطلاقة الأولى في المعركة من بندقية البرنو التي يحملها الشهيد بختيار نحو الطائرة السمتية وقوات الانزال وكان يقف كالاسد رغم كثافة النيران التي مزقت جسده. وفي الجهة الأخرى يقف الشهيد إبراهيم الذي واصل اطلاق قذائف الاربجي وأصاب احد السمتيا، ولكن صوت قاذفته لم يسمع بعد ساعة ونصف من المعركة، وفي اعقاب زخات كثيفة من الرصاص من كل صوب وحدب ناحية البشمركة الثلاثة الذين استشهد منهم الرفيق علي عباس (بختيار) وإبراهيم كرمياني وتم اسر محمد بك زادة بعد معركة بطولية غير متكافئة استمرت لساعات واستطاع رفاقهم البشمركة الاخرين الإفلات والتخفي في القرية بعد نفاذ عتادهم موقعين إصابات وخسائر فادحة بين صفوف الجحوش وقوات النظام، وكانت هذه المعركة البطولية التي تركت صدى واسعا في المنطقة بعد معركة زنكنة، حيث تمكن الرفاق في السرية الرابعة كَرميان من إعادة بناء قواتهم وتطوير عملهم لتصبح السرية الرابعة قوة كبيرة من ثلاثة فصائل إلتحق بها العشرات من الشباب والكوادر الحزبية والدماء الجديدة التي حملت راية الحزب الشيوعي العراقي المجيد عالية وخفاقة ولقنت الدكتاتورية الفاشية دروس في الصمود والتصدي والنضال الوطني الديمقراطي، وأكدت شجاعة وثبات الشيوعيين العراقيين وبسالتهم وأصرارهم على اسقاط الدكتاتورية الفاشية.