عارف حمد الله ویردي  ــ رانیە

ترجمە : أحمد رجب

في يوم 4/3/1989 بعد الظهر وصلتني رسالة مستعجلة وكنت مختفيا في مدينة  جوارقورنة، فتوقعت وجود حدث مهم، لان الرفاق في منظمات الحزب يستخدمون عادة رسائل مغلفة صغيرة في مراسلاتهم. وعلى الفور فتحت الرسالة وقرأت: تحية رفيق مام حسين (عارف) بلغ وباسرع وقت رفاق جبل كوسرت بأن العدو سيشن هجوما في فجر 5/3/1989 على المقر السري في الجبل!. بعد عمليات الانفال اصبحت القرى انقاضا وان سلطات البعث اطلقت عليها (المناطق المحرمة)، وبسرعة ومن دون توقف بدأت بكتابة الرسائل، ومن المقر ارسلوا الرفيق هه ريم ليلتقي مع تنظيم العمل والتعاون بيني ورفاق المقر السري، وهذا المقر تم انشاؤه تحت الارض في جبل كوسرت، وكان وجود الرفيق هه ريم فرصة جيدة. كتبت على الفور ثلاث رسائل: الاولى للمسؤول عن المفرزة وكتبت عليها اسم الرفيق المقدام الشجاع الرفيق مام جوامير وكتبت له: في فجر 5/3/1989 ستشن السلطة عليكم هجوما (مية بالمية)، الرسالة الثانية  للرفيق هه ريم لنفس الغرض حول الهجوم، كما كتبت له:  في المساء ومن دون توقف وبمساعدة الرفاق ستصل الى الضفة الاخرى وقل للرفاق  (ان لا يبقوا في المقر وان يذهبوا الى المناطق الوعرة في الجبل خلف قرية چناران) وعليكم الاختفاء، وكتبت الرسالة الثالثة لرفاق التنظيم الحزبي (النخبة) وكان الرفيق الباسل والقائد في ايام النضال الصعبة خدر گۆماني المشرف عليهم ومن اختصاصهم القيام باعمال (الطوارىء) وطلبت منهم ايصال الرفيق هه ريم الى البحيرة وارسال مواد غذائية للمفرزة بواسطته، ولقد تم تحقيق كل شيء بصورة عادية، ومع بداية الظلام اوصل الرفاق الرفيق هه ريم بقارب الى الضفة الاخرى من البحيرة وبالضبط مقابل قرية مێوژي المهجورة، ومكث الرفاق قرابة النصف ساعة هناك كي يتأكدوا من سلامة وصوله وان لا يحدث في تلك القرية شيء للمقر السري.

بعد ساعة و 25 دقيقة واثناء الليل وصل الرفيق هه ريم الى رفاق المقر، وعاد الرفاق الاخرون الى جوارقورنة، وعندما علمت بان  كل شيء سار بصورة اعتيادية شعرت بالهدوء والراحة. وفي ليلة 4/5 اذار1989 هطلت امطار غزيرة حتى الفجر، ولحد الان صدى صوت المطر الذي دكّ السقف الكونكريتي ﻳرن في اذني. عند الفجر طرقت  شقيقتي الشجاعة الحنونة {لطفية} خان (خاتون) باب الغرفة التي انام فيها وحيدا، وقالت كاكة (اخي) انا لطفية افتح الباب، وايقنت بوجود شيء مهم لانها لا توقظني عادة في الصباح الباكر. دخلت غرفتي وقالت:  مدينة جوارقورنة محاصرة من جميع الاطراف من قبل الجيش والجاش، فقلت: كيف عرفتي؟، قالت: من الجيران إذ ارادوا الذهاب الى البحيرة، واثنان الى السليمانية  ومنعتهم القوات الحكومية واعادوا الجميع  الى بيوتهم واخبروهم بان الخروج ممنوع وان التجوال ممنوع والكل يخضع (لمنع التجول)،  كما سمعت منهم بانهم شاهدوا الدبابات والمصفحات المجنزرة  والمدرعات.

وفي الحال اسرعت ولبست وحملت كلاشنكوفي المظلي والمسدس والرمانات وطلبت من اختي الخروج مع العائلة من البيت والذهاب الى بيت احد الاقرباء وغلق الباب، وسأختبئ في مكان ما، وإذا تم اكتشافي ساقاوم حتى الطلقة الاخيرة، وبينما كنا نتحدث اقترحت (انا) بعض المسائل، نسيبي كاك يوسف حمد اغا اختفى وعاد بعد قليل وقال هيا لنذهب معا، وقلت: الى اين؟ قال الى مكان آمن، فلبست قمصلتي  التي غطت الاسلحة وكل ماعندي، وكان الناس يخرجون ويذهبون الى الجامع واماكن اخرى، وبكل هدوء فتح باب دكان والده ورفع الباب المصفح ودخلنا نحن الاثنين الدكان، وانشغل هو ببعض الاعمال وكان يراقب بدقة التحركات في الخارج ولم برَ احدا، فقام باخذ حاجة وخرج وانزل الباب المصفح واقفل الباب بقفلين، وبعد خروج كاك يوسف، سمعت مايكرفون الجامع الكبير في جوارقورنة النداء الذي طالب اهالي جوارقورنة المحترمين بعدم خروجهم من بيوتهم بسبب منع التجول وعلى الجميع العودة والبقاء في البيوت، وتكرر النداء عدة مرات، وكنت مرتاحا جدا لانني لست داخل بيت فيه اطفال ونساء وانا الآن  لوحدي، الپیشمەرکە في تلك الاوقات كان ينتظر ان يسطر ملحمة ضد العدو وان يستشهد، اسرعت باخراج الرمانات ووضعتها مع مخازن الطلقات على منضدة، وتواجدت عدة اكياس (گواني باللهجة العراقیة) مملوءة بالتوت، فعملت من تلك الاكياس متراسا وجلست على كرسي مرتاح البال. في الاثناء انتشرت القوات جنودا وجحوشا في المدينة واسواقها، وكنت اصغي الى احاديثهم باللغة العربية، كانوا يتحدثون ويصدرون القرارات، وسارت الامور الى المساء بصورة عادية، وقاموا بتفتيش وتحري كل البيوت واعتقلوا عددا من المواطنين، وعند حلول الظلام عاد الهدوء الى المدينة، وسمعت صوت اقفال باب الدكان الذي انا فيه، فوجهت فوهة بندقيتي صوب الخارج، ثم رأيت بان نسيبي قد جاء الى الدكان.

جمعت مخازن الطلقات والرمانات وسرنا رويدا رويدا نحو البيت، وللعلم بان اخوتي واقاربي وبعض الرفاق من تنظيمات الحزب كانوا على علم بوجودي في مدينة جوارقورنة، وان البعض من الرفاق كانوا على استعداد للمشاركة في المقاومة  فيما إذا بدأت وذلك من اجل إنقاذي.

مر الليل بهدوء ونمت ثم نهضت متأخرا، وجاءني الرفيق {ماموستا امين} وهو االرفيق الوحيد الذي يعلم بمكان اختفائي، وابلغني باخبار سيئة هزتني من اعماق القلب وقال: ان السلطة الدكتاتورية شنت هجوما على قوات حزبنا في جبل كوسرت ولنا شهداء وجرحى واسرى. كان خبرا صادما اقلقني كثيرا واسودت الدنيا في عيوني، وشعرت بارتفاع ضغط الدم، واحس الرفيق ماموستا امين بوضعي واصفرار وجهي وتدخل قائلا: رفيقي ليس وقت الحسرة الان، علينا ان نصمد ونتابع اخبار الرفاق لكي نعلم اين اصبح الباقون وما هي ظروفهم. لاشك ان لنا رفاقا آخرين لا نعرف مصيرهم وعلينا التفكير بهم وباوضاعهم. عندما تحدث الرفيق الشهيد امين واظهر شجاعته ورباطة جأشه شعرت بالخجل وبدأ العرق يتصبب على جبيني وحدقت بدقة في عيون الرفيق الذي وقف كالاسد الجريح، وكانت الاخبار تصلنا وهي مختلفة بحيث لم يكن بمقدورنا كيفية التعامل والتصرف بخططنا، وكنا، انا وماموستا امين نتحاور ونتناقش ونقول: اذا كان الرفاق يتواجدون في جبل كوسرت فان الرفيق جالاك هو قريبك وله الخبرة ويعلم مكان سكنك والسؤال لماذا لم يأتي؟. واستمرت نقاشاتنا مع جملة تحليلات لادارة لعمل.

في احد الايام جاء الرفيق ماموستا امين وقال: ان اثنين من رفاقنا وهما من اهالي كويه استشهدا، والرفيق هه ريم وقع في الاسر وهو جريح، واسودت الدنيا في عيوني من جديد لعدة ثواني، وفكرت وقلت في قرارة نفسي كان الرفيق هه ريم في جوارقورنة ويعرف العديد من الرفاق وكيف سيكون مصيرهم والى اين يتوجهون؟!، وتولدت عندي افكار عذبت مخيلتي، واخيرا كنت افكر واقول حسنا لماذا لم يهتم الرفاق في المقر السري برسالتي حتى اصبحوا ضحايا للعدو الذي جاء على بابهم ولم يحترسوا؟ مع الف سؤال اخر ولحد الآن لا جواب. ان رفاق المفرزة يقولون ان الرفيق هه ريم لم يخبرنا بشيء ولم يسلمنا اية رسالة!، حسنا، فاذا كان الامر كذلك، فلماذا نصبتم كمينا في تلك الليلة؟ علما بانكم لم تقوموا بذلك في السابق ولم تضعوا كمينا عند ساعات الفجر، ولو لم تنصبوا ذلك الكمين وكنتم جميعا في المقر تحت الارض، فأنّ احدا لم يفلت منكم. الحزب لم يشكل لجنة للتحقيق واختار الصمت!.

في عام 1994 كنت في هلسنكي عاصمة فنلندا بنية السفر الى موسكو، وكان امامي وقت حتى الساعة الرابعة، وبينما كنت اتجول في المدينة شاهدت فجأة احد المارة امامي ينظر اليَّ، لم اعرفه، لكني عندما سمعت صوته صرخت (هه ريم)، هذا انت؟ ماذا تفعل هنا؟ ولم اعرف بماذا شعر، اجهش بالبكاء وصاح رفيق عارف بصوت يختنق، آه كم كانت تلك اللحظات (تحرك الاعماق)، لماذا يبكي ويشدني الى نفسه!، قبلته ومسحت بيدي دموعه وسألت عن احواله، واسرعنا ودخلنا اقرب كافتريا، وتبادلنا الاحاديث حتى وصلت الى السؤال الذي علق في مخيلتي مدة خمسة سنوات وقلت: عزيزي هه ريم  لا تحزن  واسألك: حادثة الماء وجريانه!، جوارقورنة وكيفية نقلك والرسائل التي استلمتها مني واخبار الهجوم على المقر والى اخره....

وفي رده قال هه ريم: في المساء وبسرعة وصلت الى الرفاق، ولم اجد مام جوامير، وان ملازم كريم وبختيار كويي ذهبا في مهمة الى دشتي كويه، فذهبت الى ملازم شيرزاد وابلغته بالخبر واعطيته الرسالة وقلت انها من الرفيق عارف ولكن ملازم شيرزاد قال: اي هجوم في هذه الاجواء الممطرة؟ اي جحوش؟ هكذا قال هه ريم. لكنّ رفاق المقر يقولون هه ريم لم يسلمنا رسالة ولم يبلغنا بخبر الهجوم شفهيا، والرفاق ينعتونه بكلمات مشينة، والى هنا يكفي وعلى الحزب ان يحقق في الموضوع.

اريد التحدث عن بسالة طبيب في المفرزة الذي انقذ جريحين (جراحهما بليغة) بشجاعته وتفانيه مع الشهيد جالاك، وكيفية انزالهما بـ(البشتين) الى كهف ومعالجتهما وإطعامهما الحشيش والعشب والورود الربيعية لمدة شهر، كما قام بإعطائهما الدواء حتى شفيت الجروح وانقذهما من الموت، انهما الرفيقان آسو كاكه خان وهه لكه وت وهنا انحني امام قامات الشهداء: شه بول، ريباز وجالاك، وانحنى امام طبيب المفرزة ودكتور الحزب الشجاع  هۆشنەگ واقول له: رفيق لو كنت في اي بلد آخر  لاقاموا لك تمثالا ذهبيا  ومنحوك مدالية البطولة.