تصادف اليوم، الذكرى 37 للقصف الكيميائي الوحشي على مقر قاطع بهدينان في 5 حزيران 1987، والتي شكلت سابقة تفرد فيها النظام العراقي المجرم في قصف شعبه بالمواد الكيمائية السامة، بعد أن مارس بحقه وبحق مناضليه ابشع انواع التصفية والتعذيب.

ومع ادانتنا للنظام، والذي يتحمل المسؤولية الأساسية في هذا القصف، إلا أن هناك قصورا ذاتيا يجري التغافل عنه احيانا، يتمثل في تجاهل القيادات الحزبية والعسكرية لطبيعة النظام الاجرامية، وعدم اتخاذ تدابير عسكرية احترازية، وضعف الحدس وفراسة قراءة المستقبل، وهي صفة لازمت الحزب لفترات طويلة من تاريخه، وبالتالي ساهمت هذه العوامل في جعل الهدف متيسرا لدى النظام، وفي زيادة حصيلة  الضرر الذي وقع على الرفاق في هذ الموقع.

هنا يمكن اختصار اهم الملاحظات في مجال القصور الذاتي إلى:

  - الاخطاء التي رافقت عقد الاجتماع العسكري الموسع: اول هذه الأخطاء يتمثل في  توقيت الاجتماع في بداية حزيران، حيث الأجواء صحوة، ومن السهولة كشف تحركات المفارز القادمة للاجتماع، من قبل ربايا النظام المنتشرة على القمم الجبلية، والمخابرات التي تراقب حركة الرفاق عن كثب، بالاضافة طبعا للمندسين داخل حركة الأنصار، والذين كانوا جواسيس مزدوجين، يحصل النظام من خلالهم على كل المعلومات الخاصة بالحزب في الداخل وفي حركة الأنصار في جبال كردستان.

ان تجمع عدد كبير من الأنصار، وبشكل مكشوف في منطقة صغيرة نسبيا، تشكل هدفا مهما وسهلا للعدو. ومن الجدير بالذكر أن سرية المقر التي كنت مسؤولا اداريا فيها، قد حذرت من خطورة هذا التجمع أكثر من مرة على لسان مسؤولها العسكري ملازم ماجد.

- العامل الثاني في القصور الذاتي: هو الافتقاد للجدية في اتخاذ الإجراءات الوقائية، فقد اصبح واضحا، ان النظام لن يتوانَ عن استخدام السلاح الكيميائي ضد معارضيه، خاصة وانه استخدمه  على جبهات متعددة في حربه مع إيران، كما استخدمه في  كردستان، وبشكل خاص في منطقة (بيليسان) قبل أن  يستخدمه في (كلي زيوة) موقع مقر قاطع بهدينان. رغم هذا، لم يُتخذ اي إجراء وقائي في هذا المجال، من قبيل توفير مستلزمات الوقاية من الاصابات، ووسيلة معينة بسيطة للكشف عن المواد الكيميائية السامة، وخاصة غاز الخردل.

أشير هنا إلى اني شخصيا قمت بإعداد رؤوس نقاط  عن السلاح الكيميائي قبل أربعة أشهر تقريبا من تاريخ الضربة الكيميائية إلتي جرت في 5 حزيران 1987، وقدمتها كمحاضرة عامة للرفاق الأنصار حينها. استندت في تلك المحاضرة على معلوماتي الخاصة التي حصلت عليها أثناء خدمتي العسكرية في السرية الكيميائية الرابعة في الغزلاني، إضافة إلى كوني مهندسا كيميائيا، بمعنى عندما اتحدث في هذا الموضوع اعرف جيدا عن ماذا اتكلم. أكدت خلال المحاضرة، إلى أن معلوماتي نظرية، ولكي نكون عمليين لابد من توفير جهاز استشعار بسيط للمواد الكيميائية السامة، وهو عبارة عن منفاخ يحتوي على مواد كيميائية يتغير لونها حسب المادة، ومثل هذا المناخ يمكن بسهولة الحصول عليه من الجيش العراقي أو من الدول المجاورة. هذا الجهاز مفيد جدا لعامل الخردل، وذلك لأن هذا العامل يبدأ مفعوله بعد  4-6 ساعات من وقت استخدامه، وسيكون هناك وقت كافي للكشف عنه واتخاذ إجراءات سريعة لتقليل اضراره. ومن الصعوبة جدا الكشف عن هذا العامل الكيميائي من خلال الحواس البشرية. صحيح ان الخردل له رائحة الثوم، لكن عند استخدامه في الصواريخ، تختلط رائحة المواد المتفجرة مع رائحة الخردل وتطغي عليه.

لم اكتفي بطلب جهاز الأستشعار في المحاضرة، بل طلبتها أيضا شخصيا من الرفيق ابو جوزيف (توما توماس)، وقد اخذ الأمر بجدية، لكن يبدو لم يوفق في الحصول عليه.

عنما تعرض المقر للقصف الكيميائي، حدث ارتباك في تقدير الحالة، وقد ناقش الرفيق ابو جوزيف الموقف معنا نحن أعضاء مكتب السرية، وكان أيضا الرفيق ابو نسرين مخابرة واقفا معنا. أعرب ملازم ماجد خلال هذا اللقاء عن شكوكه في ان القصف كيميائي، بينما اكدنا انا وابو نسرين بان هناك فعلا رائحة غريبة، لكن لايمكن الجزم بان القصف كان كيميائيا، وقد حصل الرفيق ابو جوزيف على نفس الرأي عندما سأل المختص في هذا المجال لدى الحزب الديمقراطي الكرستاني، كما جاء في مذكراته. الشخص الذي كان متأكدا اكثر، بأن القصف كيميائي، هو طبيب من فصيل تابع للاتحاد الوطني كانوا ضيوفا في المنطقة، وساهم في تقديم العلاج لبعض الرفاق. فقد واجه هذا الطبيب حالة مشابهة لقصفت كيميائي من قبل النظام في منطقة (بيلسان) على ما اعتقد.

كانت نتائج القصف الكيميائي قاسية، دفع رفيقان من الكادر الحزبي حياتهما ثمنا له، وهما ابو فؤاد وابو رزكار، إضافة لعدد كبير من المصابين، الذين تراوحت اصابتهم بين خفيفة وصعبة. بعد القصف الكيميائي حدثت تنقلات للرفاق إلى مقرات أخرى، وتشظى مقر قاطع بهدينان إلى فصائل متفرقة. استقر الفصيل المستقل في سفح الجبل المطل على قرية (كاني صاركي)، وكان يضم قادة وكوادر حزبية، من ضمنهم  ابو داؤد سكرتير اللجنة المركزية السابق، وقد استدعاني شخصيا لالقاء محاضرة حول السلاح الكيميائي، وعندما ألقيت المحاضرة، ابدى اعجابه بها، وسالني عن سبب عدم إيصال مثل هذه المعلومات للقيادات العسكرية، فأخبرته باني قدمت محاضرة بهذا الخصوص لرفاق مقر قاطع بهدينان قبل عدة أشهر، لكن لم يهتم أحدا بالأمر، فنظر بتعحب لمن حوله من الرفاق، وشكرني على هذا الاهتمام.