وأنا في جمهورية اليمن الديمقراطية، سمعت بأنّ الرفاق بدأوا بالعودة الى الوطن، وذلك عن طريق السفر الى لبنان ومنه الى كردستان العراق. في ذلك الوقت، حيث اعمارنا تتراوح بين 20 والـ 24 سنة، وحماس الشباب يدفعنا بقوة نحو تحقيق حلمنا في العودة الى بلدنا الحبيب والنضال من اجل تحقيق الهدف الذي خرجنا من اجله، وفي سبيله تركنا اهلنا وبيوتنا واصدقاءنا ومدارسنا وجامعاتنا ووظائفنا وحياتنا الاعتيادية.

هذا الحلم، كان يسيطر بشكل كامل على اذهاننا، كما ان اطلاعنا على الكتب والمقالات التي تتحدث عن دور وكفاح المرأة السوفيتية، ودور النساء في كومونة باريس، ونضال المرأة ضد الفاشية، كل ذلك شكل حافزا مهما وكبيرا بان اتخذ قرار العودة الى الوطن.

كان مسؤول المنظمة الحزبية في اليمن الديمقراطية، هو الرفيق ابو تانيا. إلتقيت به، واخبرته بقراري، بأني اريد السفر الى بيروت ومن هناك الى كردستان، فرفض رفضا قاطعا، ولكني واجهت هذا الرفض بارادة قوية وعزيمة صلبة، وابديت له اصراري وتمسكي، باني ساسافر حتى لو لم احصل على موافقة الحزب.

عزمت على السفر، لكنّ المنظمة الحزبية رفضت ان تدفع لي ثمن التذكرة، فاضطررت لابيع ((زنجيل ذهب ومحبس أمي))، كما تبرعت لي صديقة موظفة بنصف راتبها (بالدولار). 

اشتريت التذكرة، وأبلغت الحزب بذلك، وسافرت من عدن الى بيروت. كنت احمل معي البريد الحزبي، الذي يحتوي في داخله على (عقوبة حزبية) موجهة لي، بسبب عدم التزامي بالتوجيهات. وهذه هي المرة الاولى التي اتكلم فيها عن هذا الموضوع، لكني يجب ان اؤكد، بان كل ذلك جرى بمحض ارادتي ومن دون اية ضغوط.

وصلت الى بيروت، وتطوعت للعمل في المنظمات الفلسطينية، حيث عملت في احدى المستشفيات للمقاومة الشعبية، وكنت متحمسة لاتعلم كل ما يتعلق بحرب العصابات، ((التدريب على السياقة.. التدريب على الدراجة.. التدريب على المتفجرات.. دخلت اول دورة عسكرية لمدة ثلاثة اشهر، وكانت تضم في صفوفها شابات وشباب، اتذكر منهم الرفيقة ام سيزار. كان كل شيء يشجعنا على العودة والنضال في بلدنا ضد النظام الدكتاتوري.

بعد ان اكتملت تدريباتنا، واصبحنا جاهزين، تقرر سفري ومجموعة من الانصار الى سوريا، ومنها الى كردستان العراق. عند الحدود اللبانية السورية، وفي منطقة (ظهر البيدر)، ونتيجة الى خلل في جواز سفري، اعادتني شرطة الحدود الى بيروت مرة اخرى.

في الطريق اثناء عودتي، تعرضت الى الاختطاف من قبل مجموعة من حزب الكتائب، لكني استطعت ان ارمي بنفسي من السيارة واتخلص منهم على الرغم مما تعرضت له من اصابات طفيفة.

ساعدني بعض الناس في الوصول الى بيروت، وهناك اصريت مرة اخرى على ان اذهب الى العراق مهما كان الثمن. وكان معي هذه المرة الرفيقة (ام ثابت) وثلاثة انصار هم (ابو شيبان وابو خيام واخر لا اتذكر اسمه). وصلنا الى دمشق، ثم الى الى الحدود مع تركيا.

عند الحدود بين سوريا وتركيا (نصيبين)، اعتقلتنا المخابرات السورية، حيث تعرضنا الى الاهانة والتعذيب، وبعد تدخل رفاقنا، تم اطلاق سراحنا وادخلونا المستشفى على اثر ذلك الاعتقال.

عرض علي الحزب، الذهاب في زمالة، لكني رفضت العرض وبقيت مصرة على العودة الى العراق، فتشكلت مفرزة كبيرة فيها نصيرتان او ثلاثة من بينهن الشهيدة ام لينا، والباقون لا اتذكرهم.

لقد خضنا صراع ذو حدين، مع بعض من قيادة الحزب غير الموافقة على مشاركة الرفيقات بحركة الانصار، ومع الظروف الصعبة والجديدة والتي كان على النصيرة ان تتحملها وتظهر ما يبرر وجودها في الجبال من حمل السلاح والسير في التضاريس الوعرة والمشاركة بكل مايقوم به رفيقها النصير. لم يكن المشي في الجبال سهلا، فالاحذية تمزقت والاظافر اقتلعت، وكنت ارى الرفاق يعلنون بصوت عالٍ عن تعبهم ويحملون بعض بنادقهم على ظهر البغل، لكن النصيرة رغم التعب الشديد لا تستطيع ان تبوح به!، لكي تثبت بانها قادرة على تحمل هكذا صعوبات، وبالحقيقة وانا احمل سلاحي والعتاد الكثير بالاضافة الى (العليجة) المليئة بحاجاتي على ظهري، كنت في بعض الاوقات، اتمنى ان يساعدني احدهم ويخفف عني هذا الثقل!. وهكذا حتى وصلنا الى اول قاعدة انصارية، وهناك ابتدأت قصص اخرى كثيرة.

اعلاه جزء من ندوة للرفيقة هدى امام جمع من الانصار والمتابعين / 14 / 4 / 2023، تحدثت فيها عن رحلتها الشاقة، ابتداءً من اليمن ولبنان ومرورا بسوريا، ثم كردستان العراق.....

للاطلاع على الندوة: https://www.youtube.com/watch?v=LlmnyAWLOHU&t=2s