في ربيع 1981، طلب مني الرفاق في قيادة قاعدة (بهدنان)، التي تقع في (گلي كوماته)، وهم الراحلون: أبو يوسف، أبو جوزيف، أبو عمر، أن أذهب في مهمة تحتاج إلى السرية والحذر، وعليه أن أختار رفاق لديهم القدرة على ذلك. وعندما طلبت التوضيح حول طبيعة المهمة، وضّح لي الرفاق، إن رفاق مفرزة الطريق، وصلوا ليلة البارحة ومعهم كنز ثمين يجب الحفاظ عليه حتى يصل إلى مقرنا في (گوستا) ومن هناك إلى قاعدتنا في ( نوزنگ)، وهذا يتطلب السرية والحذر.

سألت، ما هذا الكنز الثمين الذي يتطلب كل هذا الحذر؟!، فأجابني الرفيق الراحل أبو جوزيف (توما توماس) إنها أول إذاعة وصلتنا من ألمانيا الديمقراطية. ملاحظة: بعض الرفاق يقولون انها من الاتحاد السوفيتي، وهذا غير صحيح).

تكونت المفرزة التي اخترتها من: الرفاق (أبو تحسين، الشهيد أبو كريم، والرفيق أبو وسن القادم من مفرزة الطريق واستمر معنا، إضافة إلى بعض الرفاق الملتحقين الجدد)، هذا ورافقنا من مقر (هيركي) الرفيق أبو شرارة.

لم يعلم أحد أن الحمولة التي على ظهر البغل، هي اذاعة، إلاّ أنا والرفيق أبو وسن. عند إنطلاقنا من  مقرنا في (گلي كوماتا) بإتجاه (هيركي / گوستا )، وفي أول صعود للقمة التي تفصل بين قريتي (آروش وآتوش)، تغير الجو وأصبح سيئا للغاية، مطر وضباب وإنعدام للرؤية، (بالمناسبة، في هذه القمة وبعد فترة وجيزة، كان الرفيق أبو شرارة يقود مفرزة من الرفاق الجدد لإيصالهم إلى مقراتنا في هيركي وگوستا، تعرضوأ لعاصفة ثلجية أدت إلى إستشهاد الرفيق أبو يسار، وتجميد قدمي الرفيق أبو شرارة، الذي بذل جهودا كبيرة في إنقاذ باقي الرفاق).

نحن الآن في منتصف قمة الجبل. الرفيق أبو تحسين المسؤول عن البغل الذي يحمل الإذاعة، استعجل البغل وراح يكيل له الضرب وأجبره على الصعود بالقوة الى القمة عبر طريق غير صحيح بسبب انعدام الرؤية، فسقط البغل بحمولته في الوادي ووصل الى النهر (الروبار)، (بعد هذه الحادثة أصبح أبو تحسين خبيرا بالتعامل مع البغال وكيفية ربط الحمل عليها).

هنا بدأت الصعوبات. نزل بعضنا الى الروبار رغم الضباب والمطر الشديد. قمنا بنزع الحمولة عن ظهر البغل، وحملنا الإذاعة بالتناوب على أكتافنا إلى القمة، ثم صعد البغل لوحده بعد أن تعرض المسكين لجروح بليغة. حدثت مشادة ((كعادتهما المعروفة))!، بين الرفيق أبو تحسين والشهيد أبو كريم. وصلنا إلى قمة الجبل، كانت ملابسنا مبتلة، فانتظرنا بعض الوقت إلى أن توقف المطر وتحسن الجو، بعد ذلك تحركنا حتى وصلنا إلى القرية، وأخذنا قسطا من الراحة ومن ثم واصلنا المسير.

أنا وأبو وسن كنا قلقين جدا على وضع الإذاعة، هل تعرضت للكسر؟، هل تحطمت؟، واستمر قلقنا حتى وصلنا الى مقرنا في (هيركي). أول عمل قمنا به، هو فتح الصندوق الذي في داخله الإذاعة، فتأكدنا من سلامتها، ولم تتعرض الى اي خدش عدا الغلاف الخارجي، حيث ظهر ان الرفاق في ألمانيا الديمقراطية، قد أتخذوا كافة الأحتياطات لمثل هذه الظروف. بعد ذلك تغير مزاجنا، وأمضينا يوما كاملا في ضيافة رفاقنا في (هيركي)، ثم واصلنا المسير بسلام.