في زاوية، على نهر الزاب، وليس بعيدا عن مقر قاطع بهـدينان، انهـينا عشائنا بسرعة، فالعاصفة الثلجية ستضرب المنطقة. اسرعنا بترتيب امورنا من اجل مغادرة المكان. صعدنا نسابق الوقت باتجاه مقرنا في (هـيركي)، ومعنا (البغل الشمبوز) المحمل بالسلاح حيث أحداث بشتاشان قد بدأت لتوها.
وصلنا الى قرية، وألح مضيفنا الفلاح العجوز: لا تذهـبوا هذه الليلة: ان البڤرا (الثلج) سينهمر كثيفا. أبقوا حتئ الصباح.....
رفيق: رفاقنا هناك بحاجه الي السلاح.
نظرنا الى بعضنا، وقررنا صعود الجبل على أمل ان نسبق العاصفة.
لا تذهـبوا، انتم الشيوعيون مجانيين!!.............
(سباس كاكا لازم ابچن)، شكرا لازم نمشي.
قبل ان نصل الى القمة، اشتد البرد والغيوم تكاثفت، واخترقت الاشجار حتى لامست السفح. كان بغلنا يسير وحده متلمسا دربه المتعرج غير مباليا بشيء.
بعد مسافة قليلة ومازلنا على سفح الجبل، ابيضت الارض، حيث الثلج انهمر بغزارة حاجبا الرؤيا، فقررنا التوقف لبرهة لنستطلع طريق النزول الي مقر (هـيركي).
كنا ثلاثة رفاق (ابو حيدر هيركي، وانا، والبغل)، ثلاثتنا نعرف الطريق الى المقر، لكن معالمه اختفت تماما وجميع الممرات والتلال غطاها الثلج، وبات من الصعب التعرف على اي معلم من معالم الطريق.
(وكأنّ الله مفتونا بهـذا الأبيض الوحشي!.....
يرميه على الارض، فتبيض الدروب
آه يا ليل الجنوب
كم من الأبيض
تحتاج الذنوب)....
بدأ الثلج يغطي الخاصرة، ونحن نتناوب في محاولة لفتح الطريق، لكن (بغلنا الشمبوز) ابى ان يتحرك خطوة واحده الي الامام، لقد انهكه التعب وهو يأن تحت حمولة السلاح الثقيلة.
ها رفيق ابو حيدر، يمكن راح نعصي هنا..........
تذكرنا قصص رفاقنا في الثلج والگنگرينا.........
أرجوك ايهـا (البغل الشمبوز) تحرك، كان يهز برأسه رافضا الحركة، وبدا الخوف واليأس من عدم النجاة ينتابنا.
أنزلنا حمولة البغل، وفكرنا ان نحتمي (بالكرتان) من البرد القارص، أطلقنا كل ما عندنا من رصاص التنوير، على أمل ان تصلنا النجدة من رفاقنا، وكنا نراقب خيط ضوء الرصاص الاحمر وهـو يختفي في السماء...
ناديت: ابو حيدر شوف، بغلنا استدار نحو الاتجاه المعاكس وبدأ يسير متجها نحو الوادي، متلمسا دربه بقدميه وهازا رأسه فرحا ومستهزءا بنا..........
صرخنا:
(أندل الدرب)... (لگه الطريق)!!....
عانقنا واشبعنا بغلنا الاسمر بالقبل! ونحن نرى ضوء الفوانيس الخافت الذي ينبعث من مقر (هيركي).
حمدا لله، لأننا نجونا من هـذا الموت البارد. تذكرنا الفلاح وهـو يرفض ان نذهـب، لكن السلاح الذي لا بد ان يصل لرفاقنا يتطلب ان نكون مجانين!.
استغرب الرفاق من مجيئنا
لم نطلب اكل لنا، بل طلبنا للبغل الذي انقذ حياتنا شيئا من العشب اليابس وحفنة من الشعير...............
_ الشعر: للرفيق الشاعر عواد ناصر