كان هاجس الانصار عموما، هو نقل الكفاح المسلح الى المدن والعاصمة بغداد بالتعاون مع التنظيم المدني، لربما يكون هذا الهاجس مجرد حلم صعب التحقيق في ظل نظام قمعي من الطراز الاول، هو نظام البعث وصدام حسين، حيث الاجهزة الامنية المجرمة، والتي تتداخل وتراقب بعضها، بالاضافة الى التخصيصات المالية المفتوحة لهذه الاجهزة القمعية، والتي ساعدتها كثيرا بشراء الذمم وتجنيد اعداد غير متوقعة بالعمل لصالحها، لكننا كأنصار شيوعيين كنا نبحث عن مواطن ضعف وثغرات للايقاع بهم، وتوجيه ضربة حتى لو كانت بسيطة ويمكن تطويرها.
في عام 1986 قررت النزول الى بغداد لمعرفة امكانيات العمل او البقاء، كنت حينها في مقر (زيوة) قرب العمادية عائدا من قاطع السليمانية بعد ان عملت هناك اربعة اعوام، تعرفت خلالها على المنطقة واهلها ورفاقها.
توجهت من زيوة الى وادي مرانى- الفوج الاول بنية التسلل عبر سهل الموصل ومنه الى المدينة،. والتقيت برفيقيّ هناك، صباح كنجي، وخليل ابو خدر، اللذين سبق وان عملنا سويا بين 1980 الى 1982 في ده شت الموصل، وهم خبراء بمسالك السهل ومدنه وقصباته وريفه.
رافقتهما الى (الده شت) بهدف النزول الى الموصل ومنها الى بغداد، لم تكن لدي اية مهمة حزبية سوى ما اخبرني به الفقيد ابو ناصر (طه صفوك)، وهو مسؤول عن عمل منظمات المنطقة الوسطى، وله معرفة بأوضاع بعض الرفاق الذين سبقوني بالنزول الى بغداد، واخبرني بوجود المندس ( ن ) في احد اوكار العمل، وعليّ ان احذرهم منه.
كان مكان تواجد ولقاءات رفاقنا في احدى محلات الشورجة المحاذي الى السوق العربي، وهذا المحل التجاري يتواجد فيه الحجي، وهو احد سكان قرى الجاف التابعة الى قضاء كلار، وسبق لي ان التقيت به خلال عملي في منطقة گرميان، وهو من اقرباء رفيقنا الشهيد ابو جيڤارا (حجي ره ش) من ابناء جلولاء، الذي كان يجوب تلك المناطق ونحن معه، وسخر كل امكانياته وعرض عائلته لمخاطر كثيرة فداءً للعمل الحزبي ومناهضة نظام صدام، وكان يتلقى دعم نادر من والدته المناضلة المجهولة، حيث اجبرته يوما على ايصال السلاح الى بغداد، وقالت له اعطني بندقيتك، فضحك وادار وجهه لي وقال: شوف هذه شلون تفكر؟، فقامت ووضعت البندقية تحت ابطها، ولفّت عليها عبائتها وجلست، وقالت ها تبين؟، قال لها مستغربا لا ماتبين، فأجابته: خلص تستلمها ببغداد. (هذه الحادثة جرت في احدى قرى گرميان ونزلت تلك المرأة الى بغداد محملة).
اعود الى وصولنا نحن الثلاثة، (انا وابو خدر وصباح) الى تلك الحفرة التي بناها الشهيد علي خليل (ابو ماجد)، والتي كانت قرب قرية دوغات، كانت اشبه بالقبر! طولها لايتجاوز 180 سم وعرضها يكفي لثلاثة انفار، وليس فيها ارتفاع معقول، حيث كنا ندخل فيها كما يدخل الضب الى جحره، وكان باب هذه المغارة عبارة عن صخرة كلسية ترد على الفتحة، بحيث يكون منظر هذا المخبأ من الخارج طبيعيا ولايمكن الاستدلال عليه، فكانت الخطة ان نمكث ليلة هناك، ثم نواصل في اليوم الثاني مساءً الى قرية ختاري لنقضي ليلة اخرى فيها، ثم استيقظ مبكرا لاتوجه الى الشارع الذي يربط بين محافظة دهوك والموصل (نينوى)، وهكذا فعلنا.
ودعت رفقيّ صباح وخليل، واستقليت سيارة لنقل المسافرين من الشارع ( الدولي)، كانت السيارة تسع لـ 18 راكب وفيها شواغر كثيرة، الامر الذي استدعى سائق السيارة ان يلتقط من الطريق المزيد من المسافرين. دفعت الاجرة الى الموصل، وبقت عيناي ملاصقة الى شباك السيارة وهي تسير حتى وصلنا الى باب الطوب.