بين الحين والحين، يوجعني قلبي، فكلما ذكر الرفاق والاصدقاء شهدائنا، او تذكرهم اخوانهم وابنائهم وزوجاتهم، تأخذني ذاكرتي الحزينة الى تلك الايام، والى اولئك الأبطال الاماجد وهم كثر، ولكن مايؤلمني ان شموع جميلة مضيئة وساطعة، انطفأت، ولم يذكرها احد، فيحز في نفسي ذلك.
التفت الى الوراء، استدعي الذاكرة، حيث مقر (آسته)، ذلك المكان المليء بالاماسي الجميلة والمواقف الغريبة والناس القريبين على الروح.
ارى الاداري الذي كان جوكر المقر، إلا وهو (ابو سعد الانضباط)، وتعامله وعلاقته مع الجميع، وأرى (ابو زهره نكوتين) الجميل ونوادره الرائعة، والشهيد (ابو سعيد) استاذ الرياضيات وصاحب الأحاديث العذبة، والشهيد سليم الذي نادرا ما تسمعه يتكلم، فهو قليل الكلام، وكثير الافعال، وكنت كلما زرت مقر (آسته)، استدرجه في الكلام لكي يتحدث عن نفسه وعائلته وتاريخه وعلاقته، لكنه لا يعطيني الاّ أجوبة قصيرة وبصوت منخفض. يجلس مع النصيرين (ثائر ابو لحية)، والشهيد (سعيد ره ش) وحلقتهم كانت صغيرة ومغلقة، ربما بسبب اعمارهم المتقاربة، او لانهم دخلوا الى كوردستان في نفس الفترة.
كنت اعرف ان ثائر وسليم من مدينة واحدة (السماوة)، ولكن سعيد من البصرة ((شجاب هاي على هاي على گولة فقيدنا علي الشاهر (ابو حسين) ناصرية))، لكني فهمت في ما بعد، وانا في سن العشرين انذاك، ان هؤلاء الرفاق يشتركون بالكثير من المعاناة والخسارات، التي تدفعهم الى التجمع وتأمل الاحداث. ان واحدة من تلك المعاناة كانت لدى الغالي (سعيد ره ش)، حيث كان يرغب بين الحين والآخر، ان يبوح لي ولو بشكل بسيط، عن فتاة احلامه التي يعشقها، وهي من (باغهجنير) احدى قرى كويسنجق.
سعيد يعلم اني مغرم بشعر مظفر النواب الغزلي منذ كنت يافعا، فيشجعني على ان اقرأ له قصيدة غزل، لتداعب الكلمات خياله، مستذكرا فتاته (الباغجنيرية الجميلة).
في احد الايام، وكنا في تلك القرية، حيث اكلنا في بيوتها، ثم أخذنا (بطانيات النوم)، مررت والعزيز خسرو بجانب احد البيوت متوجهين إلى المسجد مكان المبيت، واذا بي ارى سعيد مع تلك البنت. كان بريق الحب يشع من عينيها وهي تعطيه اجمل بطانية في بيتها مع كيس (علاگه) للطريق، بينما كان سعيد يتعرق من شدة الخجل والخوف والحذر.