في 1 / 11 / 1980، نزلت مع عدد من الانصار في قاعدة بهدينان، بمفرزة قتالية، يربو عدد افرادها على الثلاثين نصيرا. يقودنا الراحل علي خليل (أبو ماجد). راح (أبو ماجد) يجوب بنا المنطقة، من قرية الى أخرى، لكي نتعرف على قرى المنطقة وسكانها، ونتحدث معهم حول معاناتهم وحجم الجرائم التي تقوم بها السلطة ضدهم، كما نقوم بتوزيع جريدة طريق الشعب وبيانات الحزب لمن يستطيع القراءة باللغة العربية، وأيضا تقوم المفرزة بإستطلاع الربايا ونشاطات العملاء. مررنا بعشرات القرى، وكنا ننام في جامع إحداها كل ليلة، بعد أن نستلم من بيوت القرية، الأفرشة المناسبة للمبيت، ونقوم بتنظيم الحراسات بمعدل نصير أو نصيرين حسب خطورة القرية وموقعها، وفي الصباح نخرج منها وننتشر بعيداً عن أعين العدو ومرتزقته، في ارض عشبية باردة جدا ورطبة، ونوقد النيران ونضع في حافاتها الزمزميات المملوءة بالماء لعمل الشاي، ونتناول وجبة الفطور التي غالباً ما تكون الخبز فقط، أو بعض المعلبات التي نشتريها من القرى، ثم نواصل التجوال ولعدة ساعات باتجاه قرية اخرى، وهكذا....

في صباح يوم 15 / 12 / 1981، وبعد مسيرة شاقة وبرد شديد، وصلنا الى قرية (ديركه) التي يدخل اليها الانصار لأول مرة. مكثنا فيها حتى الغروب، قرأيناها تئن من آلام جراح الحرق والتهجير، حيث جرى ارغام أهلها على ترك بيوتهم بالقوة منذ اكثر من أربعة شهور، والنزوح الى دهوك، تاركين بساتينهم اليانعة وبيوتهم وكل ما عز عليهم!. كان عدد بيوتها بحدود الـ 15 بيتا، لذلك استطعت ان اتفحصها بعناية، وكم آلمني منظر الاطلال وآثار التدمير المتعمد للبيوت والأشجار المثمرة، وشاهدت في احدى الغرف ان الجنود قد تركوا ورائهم ظرفاً صدئاً يحتوي على عشرات الاطلاقات. وفي مكان بارد كان هنالك كلب نائم بلا حراك!، وفي احدى غرف المدرسة تنام قطة نومةً أبدية بعد أن أصيبت بطلقة. 

اما مدرسة القرية، فكانت شبه مهدمة، وكذلك جامعها، وقد تناثرت الفوانيس والافرشة في عدة أمكنة، والابواب والشبابيك محطمة، والاعمدة والصوبات متناثرة ومرمية بعبث، وقطع الحطب التي تم جمعها بعرق الناس الكادحين لدرء خطر البرد في الشتاء، فكانت تغرق في المطر.. لقد حل الخراب بكل شيء في هذه القرية الجميلة الواقعة في أجمل الأماكن، والقريبة من ناحية (مانگيش)..

كنت حزيناً ذلك اليوم، وقد فكرت كثيراً بأهالي القرية وأين هم الآن!، وكيف سيعيشون بقية حياتهم!، إنها جريمة بحقهم لا تغتفر ..!. خرجنا من قرية (ديركة) المهجرة والنازفة، وسرنا بضعة ساعات الى ان وصلنا ليلاً الى قرية (بيسفكي)، والتي يدخل اليها الانصار لأول مرة ايضا، وهي قرية كبيرة، وينعم أهلها بالكهرباء، وقد بتنا في جامعها الكبير، واندهشنا حينما لاحظنا فوق رؤوسنا تدور المراوح السقفية!، لكن ألم قرية (ديركة) بقي هاجسنا، لقد كان ذلك نتيجة لهمجية النظام بحق الأبرياء من شعبنا الكردي.

النصير الشيوعي العدد 30 السنة الرابعة كانون الثاني 2025