النصير صمد كريم، الذي غادرنا في ظروف بالغة التعقيد، جراء وباء (كورونا) اللعين، ولم يتسنى لنا وداعه ودفنه بما يليق به كمناضل ونصير مقاتل، تعرفت عليه في (كلي كوماته)، قرب الحدود العراقية التركية عام 1982. عمل النصير (ابو صارم) في المقر (بالميدان الصحي)، وبذل جهدا كبيرا لمساعدة المرضى في وادينا، وفي التجمعات (زومات)، وهي بيوت صغيرة وبسيطة تحيط بمقرنا، ويسكنها الفلاحون الفقراء او الهاربون من الحرب، وكان الطاقم الطبي ومن بينهم (ابو صارم) يذهبون لمعالجة مرضاهم.
عندما حل الربيع بعد شتاء ثلجي قارس، وتوهجت شمسه في مساحة صغيرة بين الجبال العالية، رايت (ابو صارم)، وبحماسه المعهود، يتنقل بين قاطني الوادي، ويحثهم على تعريض البطانيات للشمس لكي تتعقم، وفعلا استجابوا للمبادرة، وتبخرت اثار رطوبة الشتاء، وما تعلق بها من البراغيث المؤذية.
المحطة التالية كانت اليمن، لم نكن قريبين، اذ يسكن (ابو صارم) في عدن وانا في ابين، وكنا باستمرار نلتقي في العاصمة، للمشاركة في احياء مناسباتنا الوطنية والاممية. كانت اياما لا تنسى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتلك السفرات التي تنظم لجماعة عدن مع عوائلهم الى محافظتنا الخضراء ابين وعاصمتها زنجبار. بعد اعلان الوحدة اليمنية عام 1990، غادرنا البلد المضيف تباعا، ليستقر (صمد كريم) في لندن، وانا في اميركا، ثم تشاء الصدف ان نلتقي في (الفيس بوك)، ونتواصل بفرح لبعض السنين. تابعت نشاطاته، خصوصا زياراته الى العراق ايام سيطرة داعش على الموصل وسهل نينوى، فكان (ابو صارم) يتجول بين النقاط الساخنة ليلتقي مجددا مع الانصار المسلحين، الذين تصدوا ببسالة، وضمن امكاناتهم لداعش. هكذا تعددت زياراته الى بلدتي القوش، وصار صديقا حميما لمناضلي البلدة، كما كان في السابق ايام الكفاح المسلح. ان انسى، فلن انسى زياراته الى جبهة بعشيقة وبحزاني ومنطقة تلسقف وجبل سنجار، وكذلك كركوك، ولقائه مع صديقه النصير ابو روزا حرافيش. كانت اشد رحلاته إثارة، زيارته للبصرة، ولقائه مع من تبقى من عائلته، وفي المقدمة اخيه واخته. كانت جولاته في مناطق الجنوب حيوية ونشطة، حيث ارتاح لها، وخففت بعض همومه ومعاناته من الغربة الطويلة، وقد تابعناها من خلال صفحته المنوعة.
عندما عاد الى لندن، تعرض الى الاستجواب والسؤال عن سبب زياراته للعراق، ومنذ ذلك الحين، وهو يواصل سني حياته المتبقية مع اولاده واحفاده، حتى دخوله المستشفى وفي حالة خطيرة، ادت في النهاية الى رحيله ليلتحق بركب الخالدين، الذين عبدوا طريق الحرية بتضحياتهم وصبرهم الطويل، حتى انتفاضة شعبهم الحالية التي لن يسدل الستار عليها، بل ستتواصل اقوى فاقوى، لحين الوصول الى الاهداف، التي من اجلها ناضل صمد والآلاف غيره، حتى قيام الوطن الحر وبين نهريه الشعب السعيد.