لرسائل الأنصار، دوماً، طعم الدهشة والاكتشاف!

الدهشة لنبض العواطف، والاكتشافات للمفردات التي تعيد خلق نفسها مهما كانت البساطة المكتوبة بها هذه الرسائل.

تفاجئك الرسائل، مثل شجرة اللوز، إذ تنتفض وتزهر دون انتظار اكتمال نمو اوراقها، معلنة قدوم الربيع والنوروز، كأنها النفير من كاوة الحداد لإيقاد النيران ــ الدفء ولتبدأ منازلة الضحاك ــ برد الاشواق! 

لقد جربت الرسائل مثل غيري من الناس، ودوما اتوقف عند تلك اللحظة القصيرة، الخاطفة، الواقعة بين استلام الرسالة وفض غلافها. تلك اللحظات لا يمكن وصف المشاعر خلالها، وحدها الأصابع التي لا تستطيع إخفاء ارتجافها تعرف طعم تلك اللحظات، لأنها تتلمس البهجة، بل سر البهجة.

رسالتك التي تفوح منها رائحة كل ما هو ممنوع، وصلتني (خبطة) مرح في اوانها، حركت سكون الروح، زحزحت حزن يتلبسني منذ أيام، حزن لا تعرف مصدره، يهبط عليك دون استئذان، دون ان تكون متهيئاً لاستقباله، حزن شفيف كالقصائد ...

ورغم إدراكي ان صوتي غير صالح للغناء، وقد سبق له ان خذلني مرارا ولهذا انا ناقم عليه، لكني مع ذلك، ومع سبق الإصرار والترصد، حين وصلتني رسالتك، رحت اتخيلك تتكئ على بندقيتك، متحدا بها، متوحدا معها، حالما بتلك الاميرة البعيدة، تعيش ولادة قصيدة جديدة، فغنيت لك واحدة من اغانيك التي تحب!

أتذكر ما قلته لك مرارا: ليس مهما ان يكون صوتي صالحا للغناء، المهم ان تصل اغنيتي للآخرين!

غن لي!

.....

الجبل!

هذه المفردة التي تعني لعدو الأنصار: الموت، الهلع والخوف الدائم!

ولشعبنا: الامل، التحدي، البطولات ورجال ونساء خارجون من بطون الاساطير!

ولأهلنا الاحبة: الانتظار الجميل، الثقة بالغد و ... (يا جبل اللي بعيد خلفك حبايبنا)!

وبالنسبة لنا؟ ...

أنك تسألني في رسالتك باستفزاز ـ ايها الملعون! ـ وكأنك تختبرني وأنت الذي تملك (سنة قدم) في صفوف الأنصار، أنك ـ أيها العزيز ـ تسأل وبإلحاح عن الجبل وماذا يعني بالنسبة لنا؟

للشعب الكردي مثل يقول (لا أصدقاء للكرد سوى الجبال)، وهو كذلك بالنسبة للأنصار وسط حياتنا المليئة بالمعاناة والحرمانات وبشاعة عدو بربري!

لقد علمنا الجبل الكثير والكثير، فالجبل لمّ أشياء كثيرة كانت مبعثرة في حياتنا، وايام الجبل حكّت ـ يا صديقي ـ أسماء لامعة عديدة فبان زيفها، وكشفت جوانب مخفية من شخصيات بعضهم ــ حتى جوانب عدوانية فيها تنهش في سمعة الاخرين ــ، وصقلت في الوقت نفسه المعدن الحقيقي الأصيل للعشرات والعشرات من الذين يظهرون ارتياحهم بطرق مختلفة وهم يرون رياح الأيام تمر بالشجرة الخضراء الشامخة، فتتساقط منها الأوراق الصفر الذابلة، وتتكسر الاغصان اليابسة، لتظل الشجرة، أكثر زهوا، أكثر خضرة، وارفة الظلال للأبد ...

الجبل ...

يكفينا نحن الأنصار، اننا نتبادل والجبل المحبة والهواجس والصلابة!

ويكفيه ان يمنحنا ـ الى جانب ما يمنحنا ـ الأمان والشموخ!

هل هذا كل شيء؟ ثمة أشياء كثيرة أخرى تقال.

وسنلتقي.

سنلتقي، حتى لو على أوراق النعي.

15 / 10/ 1985

جبل متين ـ بامرني

للمزيد : النصير الشيوعي العدد 33 السنة الرابعة نيسان 2025