الربيع على وشك أن ينقضي. وحدي في (حِمبس). بحوزتي مجموعة (كراسات)، أُقلّب صفحاتها بين الحين والاخر. صوت (أياز زاخولي)، ينبعث خافتا من مسجلة صغيرة، ما ان يتوقف، حتى يتناهى صفير الحشرات الليلية الذي لا ينقطع. حل منتصف الليل، ومازلت صاحيا في المغارة (الاشكفته)، استمع لآخر موجز اخبار من اذاعة لندن.

طَرق سمعي نداء استغاثة: (كفاح إلحكَني لدغتني افعى)!!.. كان صوت (ابو ناتاشا)* مبحوحاً وفيه شيء من الترجيّ وشيء من الخوف. ادخلتهُ على الفور الى (الاشكفته)، ولمته لعدم ذهابه لقرية* (خورزان او كرساف) القريبتين، بدلا من هذا المكان الخالي من اي وسيلة لمعالجة هكذا حالات.

لَدغته الافعى في اعلى ظهر قدمِه. نزعت عنها الجوارب، وربطتُ الساق من موقعين ِلتقليل إنتشار السُمْ في الجسد، وبدأت بإسعافه بما مُتوفر لديّ من موس حلاقة، غرسته في مكان اللدغة ورحت اعصر الدم. تورّمت القدم، وأثارت مخاوفي. إستخدمت علبة زجاج ابرة بنسلين بعد ان افرغتها لأمتصاص مزيد من السم عبر اشعال قطعة من المحارم الورقية داخلها، ووضعتها على مكان اللدغة لامتصاص اكبر قدر من الدم والسم معا. اسقيته قليل من الماء .. تذكرت حادثة مشابهة وقعت( لِعمتي موري) قبل اعوام عديدة، أقعدتها لِمدة عام وكادتْ تفقد حياتها لولا رعاية الاطباء والأهل لها واسِعافها على الفور.

اما انت يا (ابا ناتاشا)، فلا يوجد اطباء يسعفوك كما أسعفوا عَمتي!، لكن لا بأس سنحاول. بعد مرور ثلاث ساعات، ايقنت ان الخطر قد زال، لكن يجب البحث عن علاج حقيقي تفاديا للمضاعفات. بقيت حتى الساعة الرابعة فجرا أراقب وضعه، بعدها قَررتُ النزول لقرية (كرساف) والاتصال بالانصار هناك، وابحث معهم عن حلول افضل، وقبل ان اُغادر (الاشكفتة)، نَظرت لـ (ابو ناتاشا)، كان في غاية الهدوء وهو ينظر الى قدمِهِ المتوّرمة .. سألني هل تعرف مختار (طفطيان)؟.

اجبته بنعم.. هو رجل طويل القامة وفلاّح ضخم الجثة!.. قال نعم هذا صحيح. الان قدمي ضخمة بحجم قدمه!!. لم اتمالك نفسي. ضحكت كثيرا رغم صعوبة ما نحن فيه. طيب الله ثرى مختار (طفطيان) العم الراحل (قوجي)، فقد أمدّنا بالمساعدات بكل انواعها. وصلتُ (خورزان وكرساف)، وايقظت الانصار مبكرا. لم يكن بحوزتهم اكثر مما قدمته لعلاج لدغة الافعى، فاضطررنا الى نقله بجرار زراعي الى مقر (مراني) في جبل (كَارة)، وهكذا حتى تم شفاءه....

................

الهوامش

*حُمبس: انهيار صخري في قمة جبل (خورزان وكرساف) مقابل قرية (طفطيان)، ويحتوي على عشرات المخابيء والكهوف الذي صنعها الانهيار.

** (اياز زاخولي): مطرب زاخولي كوردي له مجموعة اغاني جميلة جدا كان ملازما ثاني مجند توفي 1986 وهو في مقتبل العمر في ظروف غامضة، قيل ان نظام صدام اغتاله.

*** ابو ناتشا (يوسف صليوة) نصير من انصار الحزب الشيوعي العراقي، حاصل على شهادة الدكتوراه في مجال المناجم، ويعيش حاليا في السويد.

****خورزان وكرساف وطفطيان قرى يسكنها الايزيديون .. فجرها نظام البعث وصدام عام1987 ورحل سكانهما للقرى المجاورة.

للمزيد : النصير الشيوعي العدد 33 السنة الرابعة نيسان 2025