يفسر العديد من علماء النفس أسباب السادية والهمجية والقسوة المفرطة التي يمارسها الدكتاتوريون والفاشيون، على إنها جزءا من عقدة الخوف والشك في كل شيء، ولذلك تراهم يلجأون الى العنف والجريمة كوسيلة لمعالجة هذا الخوف المتأصل فيهم منذ الصغر، لاسيما وأن أغلبهم جاء من أصول متواضعة إجتماعيا.
بعضهم يغلفها بمبررات سياسية، أو أيديولوجية أو دينية وطائفية، وقد تكون هي الاساس فعلا في لجوئهم الى تصفية خصومهم، حتى على الشبهة، كما كان يفعل صدام حسين وغيره من الطغاة المجرمين.
هنا أريد الحديث عن فاشي صغير بالقياس الى هؤلاء، دفعه حقده الدفين على الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان يرى نفسه وحزبه هما البديل عنه، سواء في كردستان أو في العراق برمته، وتبنى لذلك كذبا وزورا، هو والقطيع الذي يتبعه الماركسية _ اللينينية، متشبها بـ ميشيل عفلق في كتابه (نقطة البداية)، عندما أفتى بأن حزب البعث، هو البديل المرتجى للاحزاب الشيوعية في البلدان العربية، مبررا هذا الرأي الخرافي، بأن التربة التي تنبت فيها الشيوعية، هي بيئة صناعية في الأصل، أي في أوربا، أما في بلداننا العربية والشرقية المتخلفة، فلا مكان لها، والبعث هو الذي سيسود فيها. هذا الفاشي الصغير هو (نوشيروان مصطفى) نائب رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني قبل أن يرحل الى مثواه الأخير.
لقد كان يتباهى بخسة ودناءة، وهو في وسط (بشت ئاشان) بأنه استطاع القضاء على الحزب الشيوعي العراقي، وأنه إجتاح مقراتهم القيادية وكبدهم خسائر فادحة سوف لن يستطيع الحزب التعافي منها طيلة عشر سنوات في الأقل، ان لم يكن بصورة نهائية.
أنقل هنا حرفيا حديث الأخ (حمه حاج محمود) سكرتير الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي كان إسمه آنذاك الحزب الاشتراكي (حسك). كان يزورنا يوميا في مقرنا (هزار استون) في سلسلة جبال سورين في السليمانية وتعني باللغة الكردية (الألف عمود)، حيث كان مقره قريبا من مقرنا، وكان يتحفنا بأخبار الكثير من الأحداث التي تجري في الساحة الكردستانية، وخصوصا في قاطع السليمانية الذي كان ثقل الحزب الاشتراكي هناك.
كان القتال مستعرا بين (أوك) والحزب الاشتراكي، وبين (أوك) وبقية الاحزاب الكردستانية لطموحه الشاذ في السيطرة الكلية على جميع أنحاء كردستان.
يقول الاخ (حمه حاج محمود) أنه زار في أحد الاّيام أحد بيوت معارفه في المنطقة، فوجد في غرفة الضيوف شخصا متدثرا ببطانية، وغطى حتى رأسه، وأضاف يقول أن الفضول أخذ حيزا من تفكيره، لماذا يغطي هذا الرجل رأسه؟ فسألت أصحاب الدار عن ذلك، أجابوني بأنه رجل كبير ومريض. لكن إجابتهم لم توفر لي شيئا من القناعة، فقمت وأزحت البطانية عنه، وتفاجئت كثيرا عندما رأيت (نوشيروان) الذي كان مصفرا، وغاض الدم من وجهه، وكان يرتجف. أشرت الى الجماعة بأعتقاله، وأخذه الى أحد سجوننا، وهو عبارة عن كهف لنرى ماذا سنعمل معه؟.
يضيف الأخ حمه ان الحراس الذين كانوا يحرسونه في الكهف، كانوا يجبرونه على الرقص في كل ليلة، وهم يطبلون له بأدوات المطبخ والصحون، ثم يبدأ فاصل من الأهانات والشتائم، وهو لا يبدي اعتراضا، وامتعاضا خوفا مما هو أقسى وأصعب.
في هذه الاثناء توسط الرفاق في حزبنا الشيوعي العراقي بطلب من (أوك) لاطلاق سراحه، وكان الاخ (حمه حاج محمود) يعتز بالحزب الشيوعي اعتزازا لا حدود له، فأستجاب الى طلبهم، وسلموه الى الحزب، على ان يسلمه حزبنا لاحقا الى (أوك) وكان مطلق السراح ويتجول بحرية في مقر الحزب الشيوعي والمنطقة المحيطة به، لكن الجبان هرب من الموقع، وعندما وصل الى مقرات (أوك) إدعى انه استطاع الهروب من الشيوعيين بعملية بطولية!! وقد استيقظ حقده عليهم بصورة أكبر من السابق.
وبسبب نزعة الهيمنة والسيطرة المتأصلة في (أوك) بدأوا بمغازلة نظام صدام حسين، وكان اجتياح (بشت ئاشان) هو العربون الذي قدموه الى النظام الدكتاتوري، واستطاع (نوشيروان) الذي كان يقود القطعان المهاجمة، بهجوم مفاجيء وبمساعدة القصف الحكومي للمنطقة أن يحقق ذلك (الأنتصار) القذر، ويرتكب جريمته الكبرى، وفاء منه لانقاذ حياته (نوشيروان) من القتل والاحترام الذي حظي به من رفاقنا عندما كان ضيفا عليهم، وقبل هروبه المشين.
لقد أثبت هذا الفاشي من جديد انهم جميعا دكتاتوريين وفاشيين لا ينتمون الى البشر الا بالاسم فقط، وان الوحوش الضارية، ارحم منهم وأخف وطأة!.