أمر جميل، بل هي حاجة ضرورية، استعادة سيرة ومسيرة الحركة الأنصارية، بعرض بداياتها وأسباب اللجوء اليها. شكل من أشكال الكفاح السياسي ضد طغمة الحكم الدكتاتورية عام 1980. إيجابياتها والسلبيات التي مرت بها، وإلى أين وصلت مآلاتها، بعد الضربات الكيمياوية عام 1988. ومن الهام أن يتصدى للبحث فيها والكتابة عنها، من عايشها عبر مفاصل عملها ونشاطاتها، وعاش واقعها ووقائعها، من واكب قواها وشخوصها، أبطالها وشهدائها، شهداء الشعب والوطن. كما من الضروري، والإلزامي أن يتسم من يتصدى للبحث والكتابة عنها بالموضوعية الصارمة، والجدية الصادقة والتمكن من منهج بحثي جدلي سليم. منهج يجري التركيز فيه على المسارات والأحداث والقوى المكونة لها، بعيداً عن النوازع الذاتية الضيقة.
لم أقرأ كل ما كتب من سيّر، أو روايات وقصص، استلهمت الحركة النضالية الناصعة، بعد نهايتها وتفكك تشكيلاتها، منذ بداية التسعينات، لكني، وعلى قدر ما اطلعت عليه بشكل مباشر أو عبر كتابات ومتابعات عرض ونقد لمضامينها، لمست أن في غالب تلك الكتابات سيادة نهج إبراز الذات وتلبيس الحركة المجيدة، ومع أبعادها المعقدة والواسعة، ومع كل ما اعتراها من إشكاليات وعقد تنظيمية ومنهجية، وما تميزت به من سمو وعلو في الهمم والتضحيات، أقول تلبيسها لباس الأدوار والمواقف الشخصية، وكأنها سير ذاتية، وليست مسيرة لكفاح جمعي منظم برزت فيها أوجه متعددة متميزة للنشاط والعمل الحزبيين النضاليين.
مؤخراً وصلني كتاب، أو جهد الرفيق والصديق أبو رضية (فيصل الفؤادي- أبو شلير) ، بمبادرة جميلة منه والتمعت نظراتي بعنوانه المشدّ (كلنا جئنا من معطف الحزب ... مشاركة المثقفين في الحركة الأنصارية).
بدءاً أقول أن اختيار هذا الوجه الهام للحركة، سجل نقاطاً ايجابية هامة، إذ يتناول حلقةً مهمة من سلسلة حلقات شكلت مفهوم الحركة الكفاحية بأوسع المعاني والأبعاد. قرأت بنهم الرغبة في الاطلاع، مقدمة الكتاب ووجدت أنها وعلى قصرها، أو تكثيفها المفيد، أعطت بعداً هاماً لإعلان الهدف من الكتاب والكاتب، وأشارت إلى جرأة في المبادرة، خاصة وأنه أعلن بدء جهد مضاف لإخراج الجزء الثاني منه. بتصفحي وقراءتي لأبواب الكتاب مرت في ذاكرتي صور وأحداث ومواقف احيتها الشخصيات التي أوردها. ضم الكتاب (63) اسماً من الرفاق الأنصار الذين نشطوا ولعبوا أدوار هامة لم يجر الإشارة اليها، بل وتعرض بعضها للتهميش بوعي أو بجهل. نعم تشكل عندي، وأنا أقرأ، شريط سينمائي توثيقي مؤثر، ليكون مصدراً هاما لمن يتصدى لاحقا للكتابة والبحث الجاد عن حركتنا الأنصارية وتقييمها التاريخي الذي لن يتعارض قطعا من جملة التقييمات التي ظهرت حتى اللحظة. وأرى أن الرفيق الفؤادي استند إلى وقائع مأخوذة من أفواه صانعيها. اكتسب الكتاب ومؤلفه نقطة لصالحه حين لم ينهج في وضع تسلسل الأسماء إلى التمييز بين الكبير والصغير. بين من تقلد مسؤوليات القيادات العليا والأنصار المقاتلين. بل وعلى العكس، تجاوز هذا الاعتبار وكرس لكل واحد منهم ما يستحقه ارتباطا بدوره وطابعه، وهي سمة اكتسبها الكتاب ليبرز الطابع التسجيلي التوثيقي للكتاب. وجاءت الصور معززة لهذا التقييم. وأرى أن الكتاب ارتقى لحد ما، إلى صيغة أنطولوجيات الحركة الأنصارية وأبطالها، في وجهها الثقافي الهام.
وأختم مقتنعاً وداعياً إلى إنجاز الجزء التالي، متضمنا أبرز النشاطات، وتناول السيّر الثقافية والنضالية لمن خاض كفاح الثقافة إلى جانب نشاطات الحركة الأخرى. وبهذا يكون جهد الرفيق فيصل الفؤادي مرجعاً للتقييم وإعادته للحركة التي كانت وستبقى من أنصع صفحات نضال الشيوعيين العراقيين، والنضال الوطني العام من أجل رفع اسم العراق وبناء المستقبل الأفضل ....!!!.