في ربيع 1986، وفي منطقة عمليات الفوج الاول / بهدينان، ارتفع حماس الانصار للقيام بعمليات نوعية اكثر تاثيرا على النظام ورموزه، فنشطت مفارز السرية الثانية والرابعة في اداء مهامها في مناطق (الزيبار وده شت الموصل). هذا النشاط الملحوظ، دفع السلطة الى تغيير اسلوب حربها مع الانصار، حيث لجأت الى استخدام نفس اسلوب حرب العصابات، فقامت بتجنيد اهالي القرى وشبابها، واجبرتهم على التعاون معها، وقدمت لهم الدعم والاسلحة لينصبوا الكمائن ضد الانصار الشيوعيين.

وصلت الى رفاقنا مسؤولي الفوج الاول معلومات عن طريق التنظيم السري، بان احد افراد الاجهزة الامنية في احدى قرى (ده شت) الموصل واسمه (سفر)، شكل مجموعة من العناصر لتنفيذ الخطة المذكورة، فجرى توجيه السريتين الثانية والرابعة باخذ الحذر من تحركات هذا العميل ومجموعته. بعد الرصد والاستطلاع، تاكد بان سيارة (لاندكروزر) بيضاء برقم واضح، تتحرك فجرا على الطريق بين القوش وبوزان وخوره زا وكرساڤا وباعذره وبيبان، وتحمل عددا من مجموعة العميل سفر.

تشكلت مفرزة من سبعة رفاق: (الشهيد ياسين، الشهيد روبرت، نبيل، يوسف، ابو الندا، ناظم، ورفيق آخر من الملتحقين الجدد لا اتذكر اسمه. تحركنا عصراً من منطقة (ده شت) القائدية وبيرموس. ولكي نصل قبل الفجر الى مكان الكمين الذي حددناه، وهو مكان تضطر فيه سيارتهم الى تخفيف سرعتها، نحتاج عدة ساعات مشيا على الاقدام.

انقسمت مفرزتنا إلى ثلاث مجموعات: الاولى تتكون من الشهيدين ياسين وروبرت ونبيل، وتقوم بضرب السيارة بسلاح الـ(ار بي جي) عندما تصل الى المكان المحدد، والمجموعة الثانية تتكون من ناظم ويوسف، وتقوم بمهمة الاسناد وسحب الجرحى وتامين الانسحاب للمجموعة الاولى، والمسافة بين المجموعتين لا تتجاوز الـ 150 مترا، اما الثالثة التي تحمل سلاح العفاروف فتموضعت على المرتفع لمشاغلة الطيران السمتي في حالة اشتراكه بالهجوم.

جلسنا ننتظر قدوم سيارة اللاندكروزر البيضاء من جهة القوش، والنصير ياسين مستعد لضربها بقذيفة ال بي 7، حال تاكده من رقمها الذي يحتفظ به مكتوبا على ورقة صغيرة، ثم يرشقها النصيران الآخران برصاص رشاشاتهما. مرّت لحظات صمت في ذلك الفجر الذي يحمل نسمات باردة ومنعشة تهب على جبل القوش، لا نسمع إلا اصوات العصافير وطيور القبج والحمام.

جاءت سيارة عادية تابعة لاهل المنطقة، وجاءت اخرى، وكلما اتت سيارة نقول: ليست هي. مرت سيارة البيكاب الفلاحي، ورفاقنا مختفين لا يراهم احد، يراقبون الطريق القادم من القوش بانتظار السيارة الهدف. طال انتظارنا اكثر من نصف ساعة، ثم جاءت سيارة لاندكروزر تحمل ثلاثة ركاب، اقتربت نحو الكمين، واستعد الرفيق ياسين لضربها. خففت سرعتها كثيرا حين اقتربت من المنحدر. كنا نردد مع انفسنا: سيضربها.. سيضربها.. لكنها تجاوزت المنطقة من دون ان يتصدى لها احد. توقعنا ان سلاح (آر بي جي) لم يعمل. راقبنا رفاقنا، فرأيناهم ينسحبون من منطقة الكمين، بينما قرص الشمس بدأ يرتفع شيئا فشيئا. عندما وصلوا، سالناهم: لماذا لم تضربوا السيارة؟!، اجاب الشهيد ياسين: "رقم السيارة مختلف"، فاذا ضربناهم وهم أبرياء، سوف تستغل السلطة ذلك لصالحها اضافة الى ان انسانيتنا واهدافنا لا تسمح لنا بايذاء الناس الابرياء، لذلك اجلنا العملية الى وقت اخر.

كان الانصار يركزون على تاديب رموز النظام، وردعهم واعتقالهم، لجعل الناس تثق بقدرتهم على الوصول الى اوكار النظام ومرتزقته. هكذا كان الكمين بدون إطلاقات نار ولكنه كان يحمل قيم الانصار في القتال الذي يخوضونه .. قتال الفرسان النبلاء.

النصير الشيوعي العدد 39 السنة الرابعة تشرين الأول 2025