في يوم غائم مكفهر من خريف عام 1982، كنت جالساً مع بعض الرفاق في قاعة فصيل المقر في (يك مال)، نستمع الى حديث الرفيق الراحل انور طه (ابو عادل الشايب)، وهو يقص علينا بعض الاحداث التي واجهته في حياته الحزبية الطويلة، خاصة المهمة التي كلف بها من قبل الحزب للعمل مع حزب اخر!. بينما كنت مصغيا باهتمام لحديث الرفيق (ابو عادل)، واذا بالنصير الحرس يدخل القاعة ويقول موجها كلامه لي: "الرفيق ابو جبار يريد مقابلتك حالا".

في ذلك الوقت، كان الرفيق اسعد خضر (ابو جبار) هو الآمر العسكري لقاطع بهدينان بالنيابة عن الرفيقين توما توماس (ابو جوزيف) وسليم اسماعيل (ابو يوسف) اللذين خرجا في مفروة.

ذهبت الى غرفة مكتب القاطع الصغيرة التي يتواجد فيها الرفيق (ابو جبار)، وبعد التحية، عبّر الرفيق عن قلقه بسبب تأخر مفرزة قادمة الى المقر ومكونة من عدة رفيقات ورفاق ومعهم الرفيق (ابو لينا) ايضا، كان المفروض ان يصلوا اليوم، لكنهم تاخروا كثيرا من دون ان نعرف الاسباب، وطلب مني  تشكيل مفرزة صغيرة، تتحرك فورا، للبحث عنهم في الجانب العراقي من الحدود الجبلية مع تركيا، فابديت استعدادي لاداء المهمة.

شكلت مفرزة مني والرفيقين الشهيد ابو كريم وخابات، لكن آمر السرية الرفيق الشهيد ابو مكسيم ايزيدي قال: "انا اريد الالتحاق بكم". لم يرغب الشهيد ابو كريم بوجود الرفيق ابو مكسيم مع المفرزة، لا لشيء، انما بسبب حركته البطيئة!، فطلب مني ان اقنعه بالتراجع عن قراره والبقاء في مقر الفصيل، الاّ اني لم افعل، وتركت مهمة اقناعه للشهيد ابو كريم نفسه، والذي استطاع باسلوبه المعروف ان يقنعه بالبقاء حيث قال له: اذا خرجت انت (امر السرية) والرفيق سامي (امر القوة)، فمن يبقى مسؤولا عن الموقع!؟.

تحركنا نحن الثلاثة (الشهيد ابو كريم، خابات وانا) من فصيل (يك مال)، وكنا نسير بسرعة في الجبال والوديان الوعرة لكي نصل في الوقت المناسب. استمرت مفرزتنا بالمشي حتى تجاوزت المعسكر الكبير للجيش والجحوش في المنطقة المقابلة للحدود التركية، ثم صعدنا الجبل بأتجاه منطقة (كيشان) حيث الربايا العسكرية تشرف على (الده شت) الواسع الممتد بين سلسلة جبلية من جانب، والقرى التركية من الجانب الاخر.

بحثنا عن المفرزة الضائعة في هذه المناطق، ثم واصلنا طريقنا. تحركنا في (الده شت) المقابل لقرية (نيروا) التركية، لكننا للاسف لم نعثر على اي اثر للمفرزة، فقررنا ان نعود ادراجنا، بعد ان اخذ منا التعب والقلق وخيبة الأمل في لقاء مفرزتنا المفقودة!.

في طريق عودتنا، وجدنا بيت بنصف سقف في قرية لم يعد لها اثر، قررنا ان نمضي بقية ليلتنا في داخله لنحصل على القليل من الراحة والنوم. الرفيق خابات خرج يستطلع حول البيت، بينما الرفيق ابو كريّم اطلق جملته الشهيرة التي يرددها دائماً "يا رفيق عندما تنجح الثورة بعدها لا ننام"، "يله انتجّي على كتفي رفيق سامي ونام قبل ان تنجح الثورة وعندها لا تنام ".

لا ادري كم من الوقت نمت، لكني عندما استيقظت كنت ارتجف من البرد. قلت للرفاق "يله نمشي طريقنا طويل". سلكنا نفس الطريق، ووصلنا مقرنا المتقدم (يك مال) حوالي الساعة العاشرة صباحاً، فوجدنا المفرزة وصلت قبلنا، الأمر الذي هوّن علينا تعب الطريق، وازال قلقنا على الرفاق، وفرحت كثيرا بلقاء الرفيق ابو لينا وشقيقة زوجته بدور والرفيقة ايمان وبقية الرفاق. اما سبب تأخر المفرزة، فهم الادلاء.......

النصير الشيوعي العدد 39 السنة الرابعة تشرين الأول 2025