كاكا سليم فلاح من قرية رزكه، لا يجيب على أي أسئلة توجه له من قبل اخرين تتقصى اخبار البيشمركة. يحدق في الوجوه باهتمام كبير، ويضع كامل تفكيره في الموقف.. (هل رأيت مفرزة للانصار الشيوعيين؟).. لا يجيب، لكنه يستقبل الغرباء القادمين للقرية، ويدعوهم لتناول الشاي واللبن والجاجيك، ومن خلال جلسة الضيافة والاسترسال بالحديث، يستطيع كاكا سليم التعرف على ضيوفه ونواياهم وماذا يبتغون.

هل تعرف العمة فاطمة؟..

عندما يسمع هذا السؤال، يطمأن قلب كاكا سليم للغرباء، فالعمة فاطمة كانت بمثابة كلمة السر التي على اساسها يتعرف على الرفاق القادمين عبر التنظيم المحلي، وبيتها هو المحطة الأولى التي توصلهم بمفارز الانصار.

لكن من هو القادرعلى ايقاف ثرثرات العمة فاطمة، وحكاياتها عن القادمين والمودعين، فهذه الفلاحة الشيوعية الباسلة، لديها القدرة على حفظ اوصاف واسماء وملامح ضيوفها، كما كانت بفطرتها تستنتج وتعلق على مجمل الأوضاع السياسية. تشد من أزر الملتحقين، وتؤكد لهم بأن الحزب سوف لا ينسى عائلاتهم. تقول لهم: "أن الرجولة، كل الرجولة، ان تحملوا السلاح وتقاتلون البعث، لا أن تجلسوا في بيوتكم خائفين".

تتحدث لضيوفها عن تجربتها كمناضلة شيوعية: "حياتي باردة في زمن الجبهة، لا يكلفني الحزب بعمل أي شيء. في الماضي كنت احمل البريد، وأتبع عوائل البيشمركة، واجمع النسوة في مظاهرات لتعزية الشهداء". هكذا تطيل في حكاياتها، لكن مام توفيق حريري، كان أحسن من يضع حدا لاسترسالها، دافعا ثمن شتائمها وشماتتها وهزئها به، مذكرة إياه بطفولته البائسة، ومع ذلك، فأن مام توفيق يضحك مستمتعا بشتائم العمة فاطمة وكأنها اوسمة.

كان أكثر ما يعذب هذه الشيوعية الباسلة، اخبار الشهداء. عندما تسمع خبر استشهاد أي رفيق، سرعان ما تذرف الدموع بلا توقف، خاصة أذا كانت تعرف الشهيد او التقت به يوما ما. وفي الأيام الأخيرة أمتنعت يومين عن تناول الطعام، لأنها علمت باستشهاد أثنين من الرفاق، وقعا بكمين لأفراد السلطة في منطقة (سماقولي).

عن كتاب قيد الانجاز للنصير محمد علي رحيمة (أبو أحرار)، بعنوان ((صفحات من تاريخ حركة الانصار الشيوعية في اربيل 1979- 1989)).

النصير الشيوعي العدد 39 السنة الرابعة تشرين الأول 2025