منطقة (باني شار) مكان يمكن القول عنه بانه خارج حضارة العصر!، فأرضه جرداء خالية من النبات والحياة. يتواجد فيه مقر (الفوج التاسع / قاطع السليمانية وكركوك)، وعلى مسافة 15 دقيقة منه يقع مقر (الفوج 15 قرداغ).

في احد ايام حزيران 1985، بينما كنا نتابع اخبار الوطن بواسطة راديو صغير، جاء المستشار السياسي للفوج التاسع الرفيق ماموستا شوان وقال لي: "رفيق ابو حديد، ستصل والدتي الى مصيف (أحمد آوه)، وتجلب معها خمرا ولحما واشياء اخرى، اذا ترغب بالذهاب معي، عليك ان تطلب من رفاق (مكتب البتاليون) اجازة لمدة ثلاثة ايام، وسوف نقضي اياما جميلة مع الحضارة! والطبيعة والمياه الجارية".

ذهبت الى مكتب (البتاليون) وطلبت ألاجازة. في تلك الليلة، نمت على سطح غرفة الفصيل، ورحت اتأمل مصيف (احمد اوه) وشلاله وماءه العذب. اخذتني الذكريات الى بغداد وباراتها واماسيها الجميلة. تراءت لي صور رفاقي الذين اعدمهم البعث البائد: (محمد زهراوي، سلطان ميرزا رضا، نبيل عبد المجيد الخياط، ورفاق آخرين اختفوا حتى يومنا هذا).

لا أدري متى اغمضت عيني وانا مستغرق بالذكريات و (احمد اوه) والنهر. استيقظت على صوت احد الرفاق وهو يصيح: "اصحو رفاق، لقد احتلت قوات السلطة القمم الجبلية المحيطة بالمقرات". أخذت بندقيتي ونزلت مسرعا. وجدت الرفاق في حركة دائبة يستعدون للانسحاب الى المناطق الخلفية.

انسحبنا الى وادٍ محصور بين ثلاث قمم جبلية صخرية، توزعنا هنا وهناك على شكل مجاميع صغيرة، وكان نصيبي ان اكون مع الرفيق ماموستا شوان في كهف صغير(آشكوت). بدأت القوات العراقية تمطر المكان بالراجمات، التي كان صوت انفجارها يتضاعف بشكل مخيف عند ارتطامها بالصخور. قال ماموستا شوان مبتسما: "ولا يهمك ابو حديد، سوف نأخذ أجازة في وقت آخر!"، واستمر بلف سكائره من كيس التبغ المربوط على خصره مع مصباح ليلي (لايت). تواصل القصف بغزارة على المكان  المزدحم بالأنصار الشيوعيين وبيشمركة حزب (الباسوك).

خرج ماموستا شوان ليستطلع الوضع، دقائق قليلة وراح يصرخ من شدة الالم، لقد اصيب في فخذه أصابة بليغة، كما أصيب الرفيق هندرين، وأستشهد رفيق من الباسوك وجرح آخر. خرجت من الكهف وأذا بماموستا شوان ممدد وينزف، ساعده النصير رزكار خانقيني بربط الكسر بألواح خشبية حتى لا يتمزق العظم بأنتظار (القجقجية) لنقله الى ايران مع الرفيق هندرين.

عدت الى مكاني في الكهف المظلم، تلاشت نشوة الزيارة الى  مصيف (أحمد آوه) وروبارها وخمرها!. ظلت حاجيات الرفيق شوان، كيس التبغ ولفافات الورق والمصباح، تألمت جدا على الرفاق المصابين، لا ادري يا مصيفي المنتظر متى نلتقي.. حاولت عبثا ان انام بأنتظار يوم جديد!.

النصير الشيوعي العدد 39 السنة الرابعة تشرين الأول 2025