في مساء الثاني من ديسمبر من عام 1979، وبعد عدة أيام من المسير، في ظروف جوية باردة وقاسية، وتضاريس جبلية صعبة، وصلت مفرزتنا المؤلفة من 13 نصيرا الى (كلي كوماته / قاطع بهدينان).

استقبلنا بحرارة الرفاق الذين سبقونا الى هناك، ومن بينهم الرفيق الفقيد احمد الجبوري (ابو ازدهار / ابو وليد) المسؤول العسكري لمقر (كوماته) آنذاك. امتلأت قاعة المقر التي كانت مهداة لنا من قبل الاخوة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالانصار، وتجاوز عددهم فيها الثلاثين نصيرا، حيث بتنا ليلتنا محشورين كاسماك علبة السردين.

وصلنا القاعدة بحالة مزرية، اقدامنا متورمة، وظهرت فوقها الفقاعات بسبب ارتداء الاحذية الرديئة والممزقة والسير بها لمسافات طويلة في طرق جبلية وعرة. لقد زودنا الرفاق في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيروت، بالاحذية غير المناسبة للسير في المناطق الجبلية المغطاة بالثلوج والصخور، كما ان ملابسنا المدنية (سراويل الجينز الضيقة، والمعاطف العسكرية وغيرها)، كانت سببا اضافيا لما واجهناه من تعب.

في الليلة التي وصلنا فيها الى (كوماته)، اخبرنا الرفاق باعفائنا من مهمات يوم غد، علّنا نستعيد بعض من قوتنا المنهكة. في الصباح، تكوّن فطورنا (خمس جوزات وخبزة صغيرة مع قدح شاي)، والغداء (مرقة يطفو فوقها عدد من حبات الفاصولياء مع صحن من البرغل!)، اما العشاء فـ(تكرار لوجبة الفطور)، مع العلم ان بعض الجوز فاسد (يعني انت وحضك). كنا نتشارك الاكل (كل ثلاثة انصار يتجمعون حول صحن واحد) مع رغيف خبز لكل منهم.

السلاح في بداية تشكيل قاعدة بهدينان شكّل معضلة كبيرة، حيث العشرات من الرفاق الذين إلتحقوا بالقاعدة من مختلف البلدان والمناطق (لبنان، سوريا، الداخل العراقي، منطقة ناوزنك)، بقوا لعدة اشهر بدون بنادق او مسدسات يدافعون بها عن انفسهم ومقراتهم.

كان معنا الرفيق الشهيد ابو علي النجار (محمد حسين راشد)، الذي بالاضافة الى دماثة اخلاقه كانسان، وشجاعته كنصير مقاتل، هو نجار ماهر. استعرنا بندقية من الديمقراطي الكردستاني، وقام ابو علي النجار برسمها، وبدأ بفأسه ينحت على الخشب حتى نجح في عمل بندقية مصنوعة من الخشب بنفس المقاسات، ويصعب تمييزها عن البندقية الحقيقية.

استخدمنا البندقية الخشب اثناء الحراسة، ولان الكثير من الرعاة والاهالي يمرون بالقاعدة او ينظرون اليها من بعيد، فسوف يشيعون خبر تسلحنا (ان الشيوعيين يحرسون مقرهم بالبنادق!)، وهذا يجعل من يفكر بالاعتداء علينا يأخذ ذلك بالحسبان.

بعد فترة من استخدامنا للبندقية الخشبية، حصلنا على السلاح الحقيقي، وهو عبارة عن (بندقية اوتوماتيكية من نوع " برتا " الايطالية) التي تشبه البندقية المصرية التي تسمى "بورسعيد"، مخزن عتادها يتسع لـ 30 رصاصة. شعرنا بفارق كبير، لان وجودنا بلا سلاح، يجعلنا لقمة سائغة للعدو، بالرغم من عزيمتنا واصرارنا على ان نبدأ حركة الكفاح المسلح.

زادتنا البندقية ثقة بالنفس واصرار على مواصلة البحث عن السلاح، واصبحت حراساتنا اكثر جدية، والرفيق الحرس يشعر انه يستطيع ان يحمي رفاقه، لكن ذلك غير كافٍ، ولابد من المواصلة حتى نحصل على المزيد، وفعلا بعد فترة قصيرة، وصلتنا بندقيتان ايضا.

تشكلت مفرزة الطريق (الرئة التي تتنفس بواسطتها الحركة الانصارية)، والتي زودت مقراتنا بالسلاح القادم الينا من لبنان عبر الحدود مع سوريا او تركيا. استمر تدفق السلاح بوتائر سريعة، واصبح مقرنا لاحقا، مكانا لتوزيع الاسلحة الى جميع قواعدنا في الجبال (قاعدة هيركي، قاعدة گوستا، والقواعد الاخرى في السليمانية واربيل). هكذا كانت البدايات، من بندقية الخشب، الى مصدر لنقل السلاح لبقية مقراتنا في كوردستان.

ملاحظة: بنينا اول قاعة بجهودنا، وبمساعدة احد السجناء عند (حدك) اسمه (كلش)، وهو بناء ماهر. اما الشهيد ابو علي النجار، فعمل الابواب والشبابيك والطاولات...الخ، واصبحت القاعة فيما بعد مقرا للسرية الاولى.

النصير الشيوعي العدد 39 السنة الرابعة تشرين الأول 2025