مسارات الطبقة العاملة وحركتها النقابية** / فيصل الفؤادي

بين القانون والسياسة

مقدمة

الحكومات العراقية خلال فترة تاريخها، السياسي والمسؤولين في الدولة،هم يكتبون القوانين ويصدرون القرارات والتعليمات في ضوء مصلحتهم الطبقية،  حيث يقول الرئيس" كلامي هو القانون".

وعلى مر التاريخ وفي جميع العالم ان القوانين والنظم الداخلية تصدر وفقا للدستور والاعراف. في بلادنا العزيزة صدرت قوانين تتناقض مع الدستور وخصائص المجتمع.

ان التغيرات البنيوية التي طرأت على مجتمعنا السريعة بسبب تغير الانظمة او بسبب الحروب التي خاضها العراق وتاثيراتها على المجتمع، مما يتطلب من الباحثين رسم لوحة جديدة لهذه المتغيرات.

منذ نشوء الطبقة العاملة ، وتنامي دورها الاجتماعي والسياسي ونضالها من اجل الديمقراطية وحرية تأسيس او تشكيل النقابات، كان لها التاثير في حياة شعبنا بصورة عامة والطبقة العاملة بصورة خاصة.

--لقد مرت الطبقة العاملة منذ عشرينات القرن العشرين بظروف غاية في الصعوبة من خلال كفاحها ضد الرأسماليين والبرجوازية المستغلة وكذلك ضد الاستعمار، صراع وطني وطبقي في آن واحد. وقد وضعت الحكومات الملكية ومن خلال القوانين والقرارات التي

[1]لاتسمح للعمال بتكوين نقاباتها، وقد ضحت الطبقة العاملة بالكثير من عناصرها من خلال مواجهة الاضرابات والتظاهرات بالرصاص والاعتقال التعسفي والسجن والابعاد.

لقد(خاضت الطبقة العاملة العراقية منذ الثلاثينات من القرن الماضي نضالات بطولية ، نجد فيها وعيها الطبقي واصالتها الثورية في الكفاح ضد الاستغلال وفي سبيل التحرر السياسي والاجتماعي، ولقد تركت هذه النضالات أثرها على مجموع الحركة الوطنية الثورية في بلادنا[2].

بقيت السمة الرئيسية للحقوق الشرعية للطبقة العاملة هي في سبيل نقابات قوية بعيدة عن تدخل السلطات وارباب العمل، وضد كل تحديد يفرض دون مراعاة الحريات السياسية والحقوق الديمقراطية. وقد خاضت الحركة النقابية العراقية والطبقة العاملة بصورة عامة نضالا مجيدا وبأساليب كفاحية تميزها عن سائر طبقات المجتمع، في عدم المهادنة او الاستسلام ويعتمد على اشراك اوسع الجماهير الكادحة في عرائض الاحتجاج والخطب والاضرابات والمظاهرات والانتفاضات.

لقد برزت في مرحلة معينة من قبل الانظمة المتعاقبة قضية التعاون الطبقي ومفاهيم زيادة الانتاج والطلب منهم السكوت عن حقوقهم خدمة للمصلحة الوطنية، وهي خدمة للبرجوازية والطفيلية ونشر مفاهيم فصل النضال النقابي عن النضال السياسي  حيث جاء في قانون العمل 151 لسنة 1970 تحت عنوان المبادئ الاساسية . فالمادة الثانية تشير الى التضامن الاجتماعي هو الاساس لعلاقات العمل في هذا القانون – في القطاع العام "نتيجة لانتفاءالاستغلال وعدم خضوع الانتاج للمصالح الشخصية الانانية بحكم الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج والادارة المشتركة للمشاريع من قبل الدولة والعمال وفقرة ب في القطاع التعاوني نتيجة لانتفاء الاستغلال ووجود مصلحة جماعية في المشروع ، بحكم الملكية المشتركة لوسائل الانتاج والادارة الجماعية الديمقراطية للمشاريع والتوزيع العادل للإنتاج على جميع العاملين والفقرة ج في القطاع الخاص" نتيجة الحد من الاستغلال بقوة القانون وتنظيم علاقات العمل على اساس التوازن التعاقدي المتكافئ بين اصحاب العمل والعمال، وتبعا لاشتراك العمال في ادارة المشاريع".

بهذه الطريقة وغيرها تمكن النظام الدكتاتوري تدريجيا من ان يحتوي النقابات وقادتها ليخلق بذلك القاعدة الاجتماعية السياسية التي تواكب تطور علاقات الانتاج الاستغلالية مستخدما الوسائل القمعية والمخادعة. وبهذه الطريقة، لاوجود للصراع الطبقي ، وقد جردوا قانون العمل المشار اليه من كل محتوى طبقي، كما اطلق على القطاع الحكومي اسم القطاع الاشتراكي.

وهكذا ، فأن العمال ، حسب المفهوم السلطوي، حلقات ناقلة للتوجهات التي تحددها الدولة، اي الحزب الحاكم الذي امتزج بالدولة. وعلى الطبقة العاملة ان تخضع للوصاية وتقبل بحرمانها من اي صلاحيات سياسية مستقلة.

- لقد تم اختزال الاشتراكية هنا الى تقنيات اقتصادية بعد ان تم افراغها من مضمونها الطبقي، وغرقت في مفهوم فضفاض عن الشعب[3].

ان فرض القرارات الفوقية على الهيئات النقابية وعلى جماهير العمال يعطل المنظمات النقابية عن القيام بواجبها ويفرغها من محتواها الطبقي.

-ان الاسلوب الديمقراطي في علاقات الهيئات النقابية بعضها ببعض وعلاقات المسؤولين النقابين بهيئاتهم وجماهير العمال هو الاسلوب الاسلم والضامن لحقوق جميع النقابيين والعمال. وعلى النقابي ان لا يعتمد على نفوذ حزبه بين جماهير العمال، وانما يجب ان يكون الاعتماد على نشاطه ونضاله النقابي وتجربته وكفاءاته، وعلى علاقاته النقابية بين جماهير العمال، وعلى مقدار نشاطه ومستوى معرفته لتلبية وحل مشاكلهم المختلفة.

--ان العمل من اجل مطالب العمال المباشرة لا تعني تخلي الحركة النقابية عن نظرية العمل التي تؤمن بها، ولا يعني ترك جماهير العمال فريسة للآراء والافكار البرجوازية واليمينية، ولا يعني انشاء نقابات تحصر نضال العمال في النطاق الاقتصادي ، وتهمل الاهداف الثابتة الدائمة الاساسية للطبقة العاملة. حيث تعمل البرجوازية باستمرار كي تحصر اهتمام العمال بالمطالب الاقتصادية وتبعدهم عن التفكير والاهتمام بالشؤون السياسية وبشؤون السلطة والحكم والوطن ليبقى لها وحدها الحق في معالجة القضايا السياسية حكرا لها فقط.

-ان النضال من اجل مطالب العمال اليومية والمباشرة، هو هدف ووسيلة في آن واحد، وتتجسد مميزات النقابي الثوري في نضاله المستمر، لرفع مستوى العمال المعاشي وتحسين ظروف وشروط عمله والتي تحتاج منه رفع مستوى الوعي في خوض المعارك الطبقية والوطنية.

لقد عانت الطبقة العاملة العراقية طيلة السنوات الماضية من الاستغلال والقهر والظلم والاعتقال وحتى السجون وغير ذلك ، اضافة الى تأثير القوانين والقرارات التي تقلل من شأنها ودور حركتها النقابية وتنظيمها .

تأثرت الطبقة العاملة بالحرب العراقية - الايرانية وراح ضحيتها عشرات الألوف ناهيك عن عشرات الألوف من الجرحى والمعوقين والمفقودين من ضحايا الحرب. وكذلك الخراب الذي اصاب المنشآت الصناعية ومعامل الانتاج وهي ذات أهمية حيوية لنهضة العراق الاقتصادية وبناء القاعدة المادية للصناعة حيث شمل البتروكيمياوية في البصرة والاسمدة الكيمياوية ومحطة الكهرباء ومحطة توليد الطاقة الكهربائية وغير ذلك.

وجاء الحصار الاقتصادي المفروض على شعبنا ليزيد من الجراح، وقد أرهق شعبنا. وتدهورت الاوضاع المعيشية ، وأفضى الى آثار سلبية عميقة في واقع مجتمعنا ، وادى الى تحلل في النسيج الاجتماعي والاسري وتصدع في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية. وتدهورت اوضاع الفئات الفقيرة من العمال والكادحين والفلاحين المعدمين. مقابل تنامي فئات محدودة من كبار المسؤولين في النظام وأزلامهم من تجار الحرب والحصار الذين تحولوا الى اصحاب مليارات ينعمون بحياة الاثرياء.

وجاء سقوط النظام الدكتاتوري، على ايدي الولايات المتحدة وحلفائها ليزيد من الطين بله. حيث الانهيار السريع للقوات المسلحة ولمؤسسات الدولة، وقد جسد ذلك في تعقيدات الاوضاع وتناقضات السلطة الجديدة وخططها المستقبلية. كما ادى الى الاضطراب وانعدام الاستقرار، وانفلات الوضع الامني وشيوع الفوضى وانتشار حوادث السلب للممتلكات العامة والخاصة، حيث نشأ فراغ امني وسياسي مازال شعبنا يعاني منه.

ولم تكن الاحزاب والقوى المعارضة في مستوى التهيئة والمسؤولية اضافة الى عامل الارادة المستقلة لإقامة تحالف وطني يضغط على الطرف الامريكي المحتل وكسب تأييد الامم المتحدة ، للامساك بالسلطة والعمل الجاد من اجل العبور الى بر الامان وتهيئة الظروف المناسبة لها. حيث جاء قرار 1483 الذي اتخذه مجلس الامن الذي "اضفى الشرعية لسلطة الاحتلال" في تشكيل مجلس الحكم ذو صلاحيات محدودة كبديل لصيغة المجلس السياسي ذو الطابع الاستشاري.

وجاء القرار 1546 الصادر من مجلس الامن 8 حزيران 2004 ، دعما للخطوات المتخذة على طريق انهاء الاحتلال واستعادة السيادة الوطنية الكاملة، وحق الشعب العراقي في تقرير مستقبله السياسي بحرية، وممارسة سلطته ، تحت واجهة الحكومة المؤقتة، شكلت لجان لكتابة الدستور العراقي واقراره من الشعب في الاستفتاء العام في تشرين الاول 2005.

وجاء الوضع الامني المتردي الذي ولد وضعا صعبا لشعبنا. فبالاضافة للعمليات الارهابية لتحقيق اهداف سياسية معينة، فيما تستهدف عمليات اخرى تكوين مناطق من لون طائفي واحد عبر التهجير الجماعي القسري. وكذلك عمليات الخطف والتصفيات والقتل والعنف على اساس الهوية لتزيد من الاوضاع تعقيدا، الامر الذي يعني عن عدم الشعور بالأمن والامان .

وتعاظم دور الميلشيات بعد احداث سامراء واخذ طابعا طائفيا، ووجد البعض في العمل مع الميلشيات مهنة تؤمن له قوته، في وقت تستشري فيها البطالة وقلة فرص العمل.

جاءت الحكومات بعد سقوط النظام الدكتاتوري، ولم تتجاوب مع حقوق وطموحات الطبقة العاملة في الغاء القوانين السابقة والمجحفة ومنها قانون 52 لسنة 1987 الذي الغى بموجبة التنظيم النقابي والذي لازال ساريا ، اضافة الى ان الحكومات لم تساعد ، الاتحاد العام لنقابات العمال في ارجاع مقراتهم وممتلكاتهم، وكذلك مساعدتهم في الجانب المادي واللوجستي في الانتخابات العمالية وتوفير المستلزمات الضرورية لذلك، واعطائهم الدور في المشاركة في تحمل المسؤولية في التخطيط والانتاج ...الخ.

هذه الاوضاع وغيرها اثرت على مجمل الاوضاع وخاصة من العمال والكادحين والفقراء والمهمشين. حيث جرت تغيرات كبيرة في النسيج الاجتماعي لشعبنا.

يحتاج من الدولة ومن حكوماتها العمل من اجل ضمان الامن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية وبناء المؤسسات على اسس ديمقراطية، ووفق قواعد المواطنة والكفاءة والمهنية والنزاهة بعيدا عن نزعة التحزب والمحاصصة، ومعالجة التشوهات الاجتماعية والعمل على مساعدة العمال والكادحين من خلال الضمان الاجتماعي وتأمين لقمة العيش من خلال الحصة التموينية لإرجاع كرامة الانسان العراقي.

نسعى في كتابنا المكثف الموسوم (مسارت الطبقة العاملة وحركتها النقابية بين القانون والسياسة)الى توضيح دور القوانين وتاثيراتها، ودور السياسيين في اعاقة تطبيقها والتي اشرنا لها، من خلال اصدار قرارات وتعليمات في كيفية تطبيقها والتاثير عليها .

كما سعينا الى توضيح دور النقابة وتاريخها، وتاريخ الطبقة العاملة ودور الحركة النقابية العراقية وكفاحها من اجل الحصول على ظروف حياتية أفضل في نضالها الوطني والدفاع عنه ضد الاستعمار وعملائه.

ان الخصائص التي تتمتع بها الطبقة العاملة تتطلب المعالجة الحقيقة بتطوير الحركة النقابية العمالية، والارتفاع بدورها في ترسيخ الديمقراطية لبناء عراق خال من الاستغلال والاضطهاد، ومن اجل العدالة والتقدم الاجتماعي.

 

 

فيصل الفؤادي

28 تموز2020

 

 

 

[2]الثقافة الجديدة عدد408 ايلول 2019 ص 74

[3]مجلة النهج العدد 10 لسنة 1985 ص23