كانت ... قصة شهرين من حياتي..! (2) / هاني ابو زياد

14 اب – 14 تشرين اول 1988 ...2                                                      

انتهت مهماتي  وركنت جانبا  كما هي العادة (سميها عرف تنظيمي او تقاليد ان شأت ) التي ورثناها من اسلافنا , تفننا بها  وابدعنا  , والتزمنا  بها  اكثر من التزامنا بالنظام الداخلي , كما ركن كل من كان مقرر له ان يغادر الا البعض طبعا , تحت شعار ( من تنتهي مسؤوليته  تنتهي صلاحيته ) .ولا زلنا نعمل  بها المبدء  الى يومنا هذا..... كان موقعنا جميل جدا , وادي طويل يمتد من قرية شيفية وينتهي بالزاب , محاط بقطوع عالية يصعب تسلقها, واشجارمعمرة كثيفة جعلت المكان بارد لا تدخله شمس , يخترقه نهر ينحدر باتجاه الزاب ماءه عذبة وباردة , وقد بنى الرفاق كبرات  تحت ظلال الاشجار كانت لهم مواطن  يعيشون بها ويقضون كل الوقت فيها ,اقتربت الكبرات من بعضها  لقرب العلاقة  ومنهم من بنى  بالصوب الثاني  عند القطع  وهكذا , استوليت على واحدة من هذه الكبرات كانت فارغة واصبحت مقرا لي وبيت ,بعد ان تركت كبرة الهيئة القيادية سابقا .  بالجوار كانت الرفيقة ام دنيا  تعيش بكبرة مع بنتها الجميلة , جاءت دنيا الى الدنيا في هذا الوادي قبل ايام , كان ساعتها الجميع في الاستنفار كلنا قلق وخوف نترقب قدوم المولود الجديد لم تكن الرفيقة وحدها هي التي تلد وانما كان الجميع  في مخاض عسيركانت ساعات  عظيمة , واخيرا اتت دنيا . على مقربة منها  كانت كبرة عائلة الرفيق ابوهندرين وام هندرين  وابنتهم الطفلة نداوي  والى جوارهم عائلة الرفاق ابو نصار وام نصار  وطفاتهم الجميلة لهيب والتي  شرفتنا  في الحياة  قبل  دنيا بايام  ,  وعلى مقربة من المطبخ كانت كبرة الرفاق ابوعلي مشمش وام علي  والاطفال مشمش وسمسم  , هؤلاء الاطفال جعلوا من هذا المكان المقفر البعيد مكانا  يمكن العيش به, فقد اضافوا لحياتنا حياة كلها بهجة وامل  , تراهم  يلعبون مع بعضهم  ومع الكبارلا فرق عندهم ,  فلم يعيشوا حياة الطفولة الطبيعية  , عاشوا مع الكبار ويتحدثون بلغة الرفاق .

.كنت اقضي معظم الوقت بالكبرة اقرا ماتيسر من كتب  او الذهاب الى الزاب مع الرفيق ابو هندرين للصيد .فليس لدي غير واجبات الحراسة والمطبخ احيانا , وكلنا ينتظر !!..ولكن ننتظر ماذا ؟ لا احد يعرف  ما سيكون مصيرنا خاصة  بعد ان حجبت عنا الاخبار التي ترد من الحزب لاسباب لانعرفها .. ,,( انا شخصيا عرفت الاسباب  بعد مايقارب  30 عام  لانني اعيشها من جديد , الاسباب نفسها  والثقافة هي هي والتربية لم تتغير والتاريخ يعيد نفسه ...! )... كنت قد تنبأت ان حدثا عظيما سيحدث يوم 19880808  ورافقتني هذه النبوءة منذ زمن بعيد وقد اخبرت  اقرب الاصدقاء بذلك  وانا كنت اقصد شيء اخر بعيد جدا عن هذا ,, ما كانت هذه نبوءة او شيء من هذا وانما كانت امنية كنت ارغب ان تتحقق في  هذا التاريخ ولكنها لم تتحقق طبعا .( ساتحدث عنها يوما ). حتى ان البعض سالني ونحن نقترب  من اليوم  وكنت لا اعرف ماذا اقول . واذا بالحدث الكبير يقع كان عظيما  هزنا وغير حياتنا الى الابد .. توقفت الحرب وتحقق شعار الحزب , واستجابوا  لدعواتنا , ولم يتحقق نبوئاتنا ( اقصد نبوءة الحزب ) وما كنا نفكر به  من ان الجنود سيثورون  الى اخر  الرواية ..... اثار هذا الحدث الذي لم نفكر به , تساؤولات كثيرة لم نجد لها اجابات , واخذ كل واحد منا  يحلل على مزاجه وما يتمناه . لكن الوضع بالموقع لم يتغيرولم نرى اي شيء جديد . ونكاد لا نرى امر الموقع في النهار او الليل  فهو نائم باغلب الاحيان . حتى اكداس العتاد والسلاح التي استغرق نقلها من مقرالقاطع القديم زمن طويل , في محلها بالعراء , سوى بعض الاسلحة نقلت الى شكفتة صغيرة (كهف) على الطريق .. الاسلحة  التي اشرفت على نقلها من زيوة الى المقر الجديد  والتي هدت حيلي ( قوتي ) واستغرقت ايام , كنت اداوم  كل النهار مع الكرونجية الى ان تم نقلها  وكان  اخر حمل هو الدجاج !!!..علمت بعدها  ان الرفاق انسحبوا وتركوا الاسلحة والعتاد بمحلها  دون ان يفجروها مثلا او يفخخوها  وبقي الدجاج هو الاخر يسرح  بكل مكان يرغب  حتى في المطبخ  دون ان يفكر احد  بتشريب دجاج مثلا  قبل الرحيل . ...                        كنا نجلس  يومنا كله في الكبرات  , الا رفيق واحد ما كان  يستطيع الجلوس فهو يحمل  الراديو على كتفه  ويسمع الاخبار من فم المذيع مباشرة ويقطع المقر  ذهابا واياب كل النهار لا يكل ولا يمل  وكلما مر من عندنا يسال  ( شكو ماكو شنو الاخبار  ) نجيبه الاخبار لديك والرايو عندك  ونحن ماعاد تصلنا اخبار..فقد كنا نحن مصدر اخباره  ( سبحان مغير الاحوال !! ) واستمر الحال هكذا الى يوم  14 اب ...يتبع