كانت ... قصة شهرين من حياتي..! (5) / هاني ابو زياد    

كانت ... قصة شهرين من حياتي  ..

14 اب – 14 تشرين اول  1988...5

هجر الناس القرية واختفوا بين الوديان  والصخور خوفا من القصف الذي تكرر, وبعضه كان  بالاسلحة الكيمياوية , اخذوا معهم  حاجتهم من فرش ومؤن , ليس اكثر.. فمعهم اطفال  وعجائز ..لا اعرف  ماذا ينتظرون ؟.. نحن  لسنا بافضل حال منهم  , نحن ننتظر ايضا  !,,  وانا متوجه الى العمق منفذا  قرار الحزب بالالتحاق بالفوج الاول  لاستلام المهمة الجديدة  ( التي لم يخبرني بها احد لحد اليوم ! ) ..فقد كان قرار اتخذ في ساعات لم يعرف بها اصحابه ماذا سيحدث غدا او بعده او ربما لم يفكروا بذلك ابدا. ..ربما فكروا بشعار الحزب ودعوته لايقاف الحرب , وعولوا على الجنود العائدين  وكيف سينحازون الى الشعب ويعلنوها  ثورة كما نقرا بالروايات ,عندها  يجب ان يكون لنا دور في ذلك  وللشعوب وطلائعها الثورية  تجارب و تاريخ  مشرف .. كل هذه الافكار كانت تدور في مخيلتي  وتشجعني على الاسراع  بالاتحاق والمساهمة , وان برقية  الالتحاق بالفوج الاول ما هي الا لتضيف لي بعض من  شارات الشرف والرفعة  فقد جاءت من صالحي ولي , وهدفها تخليدي بالاستشهاد او بالبقاء حي  فالامر سيان . .. وصل الرفيق اشتي ممتطيا حصانه  وقت الغداء  كان اليوم 24 اب 1988 , سلم  وشاركنا الطعام  ,,بعدها بوقت تركنا الرفيق  دشتي  بامان , توجهنا في طريقنا الى العبور والذي سياخذ منا بضع ساعات للوصول الى الشارع وقت غروب الشمس ..  لم يمض على مسيرنا الكثير من الوقت  لنلتقي براعي غنم  ملئت نعاجه المكان , اشرت على اشتي ان يساله من اين هو قادم وما ورائه , وهي اسئلة اعتدنا ان نسالها  لمن هو ات من جهة نحن نقصدها للتقصي والمعرفة  , قال انا ات من الجانب الاخر من الشارع  ,, وماذا  هناك ؟ هناك تقدم لا حصر لعجلاته واسلحته تتجه الى ديرلوك ومجمعات شيلازة ودشت زه ( ربما هكذا تكتب  بفتح الزاء) وهي منطقة السهل المحاذية الى الزاب .. لم يكمل الراعي حديثه حتى سمعت قرار اشتي  الذي اصابني  بالحزن والاحباط  والخيبة , قال انا لا اذهب معك فالوضع غير امن ولا استطيع تنفيذ مهمتي بمثل هذه الاجواء  , لهذا  انا سارجع . وانا ؟ سالته  وانا محبط  , واكاد ان اقع .!  ترجع من حيث اتيت او تعبر لوحدك ..ويمكن ان ترافقني  ,,فقد تعطف عليّ  وقدم لي مقترح ثالث .. فكرت حينها ...!  ان العودة الى كلي صاطور مستحيلة , فانا خرجت منه وكانني المنتصر بتنفيذ القرار الذي نصحني البعض ان لا انفذه  لضبابية الوضع وخطورته , لكني بدات بتنفيذه  فعلا وكسرت  كل القواعد وسرت وحيد , قررت لحظتها ان استمر حتى وان كنت  لوحدي  فالمنطقة اعرفها بشكل جيد , وقد الفتها والفتني , اعرف اهلها و كل مداخلها ومخارجها  مشيتها بالليل والنهار في الظروف الصعبة والظروف السهلة الامنة . وهي مسيرة يومان او ثلاث ولدي ما يكفيني من المؤن  ..ونحن بهذا حديث  خرج علينا  رجل يحث الخطى حد الهرولة من خلف التلة التي تخفي القرية ورائها  تبين انه الرفيق كاوه ( برفان بن الاستاذ عبد الرحمن من قرية كاني مالة والذي يقيم وقتها في قرية باوركي كفري  هو والعائلة , واخ الرفيق والصديق دولوفان الذي جرح  وبتر ساقه في عملية كنا فيها معا ( عملية برجي ), كانت عملية كبيرة , مشتركة بين قواتنا و قوات حدك في المنطقة ,, انه الرفيق برفان عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني  الان .. تعرفت عليه  يوم التحاقي بالسرية الخامسة بتاريخ 17/ 18 ديسمبر 1983 ,, لكني لم اعمل معه بالسرية  فقد ترك العمل بها  هو ومجموعة من رفاق العمادية , والرفاق هوار ونزار ورفيق اخر , لخلافات كانت بينهم وبين قيادة السرية حينها ) جاء الرفيق كاوة  منقذا اعاد  لي  توازني  وهو يقول انا محظوظ  فقد لحقت بكم  قال لي دشتي انكم سبقتوني للعبور وانا اجري للحاق بكم .  كان مجيئه في الوقت المناسب  ..... ودعنا  آشتي  ومضينا باتجاه الشارع مرورا بقرية سركلي  التي لم نرى احدا  من  ساكنيها  فهي الاخرى خالية تركها اهلها  وذهبوا الى مناطق اكثر امنا . خرجنا من الوادي الذي يوصل الى الشارع العام حيث الارض المنبسطة  القريبة من مكان العبور , هناك التقينا الصديق  محمد جاوشين ( العيون الزرقاء )  وهو شخصية معروفة بالمنطقة ومحترمة من حدك  تربطنا به كشيوعين بالسرية الخامسة علاقات طيبة , من سكان قرية سركلي  نعرفه ويعرفنا . بعد التحية والسلام  قال انه هنا بالقرب من الشارع منذ الصباح وقد مرت عشرات بل قل مئات السيارات حاملة للجنود واخرى شاحنات تحمل دبابات وغيرها تجر مدفعية من العيار الثقيل  , مرت دون انقطاع باتجاه  ديرلوك والمنطقة . والوضع ينذر بخطر عظيم  قادم . وانتم الى اين ؟  قال برفان العائلة في باوركي كفري  يجب ان اصلهم اليوم !.. قال يمكنكم  العبور الان  فالربايا فيها جحوش .. قلنا ننتظر قليلا .. ودعنا  وانصرف الى قريته...يتبع ..