دأب الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه ونشأته على الاهتمام بالشأن الثقافي والمثقفين وأخذ على عاتقه مهمة نشر الفكر التنويري والتحرري واشاعة الثقافة التقدمية ونشر الوعي والمعرفة العلمية، واليوم في التفاتة جميلة يحتفي ويكرم الحزب أحد المبدعين الذين تركوا بصمة مهمة في مجال وأبواب الثقافة العراقية، فقد استضاف في منتدى بيتنا الثقافي بالأندلس الدكتور شجاع العاني يوم السبت 22 فبراير/ شباط 2025، والذي قدمه للحضور الاستاذ خضير فليح الزيدي، أدار الجلسة الروائي خضير فليح الزيدي، الذي قدم نبذة عن المحتفى به، مبينا أنه من مواليد عام 1940 في الأنبار، حاصل على الماجستير في جامعة عين شمس بمصر سنة ١٩٦٩، والدكتوراه في جامعة بغداد - كلية الآداب عام ١٩٨٨.
وأضاف قائلا ان العاني عمل عام ١٩٧٦ أستاذا للنقد في جامعة البصرة، وانتقل بعدها الى كلية التربية للبنات في بغداد، وأشرف على كتابة العديد من الرسائل والاطروحات العلمية، وانه يعد من مؤسسي النقد الأدبي في العراق بكتاباته النقدية التطبيقية. كما انه نشر العديد من المؤلفات الأدبية في الرواية والقصة والنقد، وله مقالات كثيرة في صحف ودوريات عراقية
وتابع الزيدي قوله أن "العاني زاول النقد الأدبي منذ ستينيات القرن الماضي، وظل منظوره النقدي يتجدد. فهو شخصية نقدية تمتاز بالعلمية والأكاديمية، متحلياً بالمنهجية التي منحته ميزة خاصة". بعدها قدم الرفيق مفيد الجزائري كلمة الحزب، التي أشادت بالمحتفى به وبدوره في المجال الثقافي ومكانته في الثقافة العراقية، وأشارت إلى الاهتمام الكبير للحزب الشيوعي العراقي بالثقافة والمثقفين
وقرأ الزيدي هذا المقطع من مستهل كتاب (والذين عرفتهم) الذي قام بتحريره ((يبدو أن حياتي غدت طويلة، أكثر مما توقعت لها، طويلة جدا غير ان الملل لم يتسرب لها بعد. هي رحلة سفر كانت أطول من قطع طريق صحراوي على دابة عرجاء، كنت أقطع صحراء الحياة من غير نجمٍ دال، حتى أصابني الخوف من المآل المأساوي لضياع رجل وحيد في الصحراء. رحلة طالت كثيراً ثم أوشكت، حين وصلت الى لحظة الكتابة عنها الآن. يا لهول البدايات والنهايات!....)).
تحدث الدكتور شجاع العاني شاكرا الحزب الشيوعي العراقي على هذه المبادرة التي تعبر بصدق عن أهتمامه بالثقافة، وقدم الشكر للرفيق سكرتير الحزب رائد فهمي لحضوره حفل التكريم هذا، كما شكر الرفيق مفيد الجزائري على سعيه الحثيث لإقامة هذه الأحتفائية، وأكد بأنه لم ينتمي يوما للحزب الشيوعي لكنه يجمل الأفكار التقدمية والوطنية ذاتها.
ثم تطرق الى تجاربه العلمية والثقافية والاجتماعية، وكيف كان النظام الشمولي السابق يحارب الأفكار النيّرة ويمنع المثقفين من نشر أفكارهم التقدمية عبر مراقبة نشاطاتهم والتضييق عليها. كما ألقى الضوء على أسلوبه في التدريس، الذي كان يتبع فيه منهجا غير تقليدي.
وتحدث العاني عما واجهه من مضايقات في زمن النظام المقبور، وصلت إلى حد إبعاده عن التدريس في "ثانوية قتيبة" بمدينة الثورة، إثر تأثر الطلبة بأفكاره. حيث كلفوه بإدارة مكتبة المدرسة، فحوّلها إلى فضاء للحوارات والنقاشات الثقافية، الأمر الذي جعل مدير المدرسة في النهاية، يطلب نقله لمدرسة أخرى.
ولفت إلى انه عانى المضايقات حتى في جامعة البصرة. فإضافة إلى عمله التدريسي، قام عام 1989 بإنشاء "ملتقى السياب" في الجامعة، ما فتح أبوابها أمام المجتمع، بعد ان ضيّف ملتقاه عديدا من رواد الثقافة والفكر. لذلك أثار الأمر وقتها حفيظة عميد الكلية البعثي.
وأكد العاني أنه رغم مضايقات البعث، حاول تحديث أساليب التدريس الكلاسيكية، وتحويل النقد الأدبي النظري إلى مادة حية وممارسة مجتمعية.
وفي سياق الجلسة قرأت الأستاذة د. نادية هناوي، وهي إحدى طالبات العاني، ورقة تقييمية لمشروعه التجريبي التحديثي، وطريقته في التدريس، مشيرة إلى اهتمام العاني بمسالة تحديث مادة النقد الأدبي بوجه خاص، وتأشيره جمود مناهج تدريس الأدب في أقسام اللغة العربية بالجامعات العربية، وتحدثت كيف انه استثمر نظام المقررات لتحقيق نقلة حداثوية في تدريس النقد الأدبي، وانه أبتكر طرق تدريس تستبدل تلك التي كانت سائدة، وهذا ما جعله بالضد من فلسفة الدولة العراقية التي كانت تعتمد على ما هو كلاسيكي ومحافظ، لكن العاني نجح لما يمتلكه من ثقافة كبيرة ودراية تخصصية بطبيعة دوره الأكاديمي، فضلا عن حسه النقدي المرهف وسعة قراءاته في الآداب العربية والأجنبية، كل ذلك مكنه من اتمام مشروعه التحديثي، بمعنى ان عمله كان في الظاهر يبدو تجريبا لأساليب جديدة في حين أنه كان في الباطن أقرب الى الانقلاب الثقافي على السائد عبر تنوير وعي الطالب الجامعي بالمفاهيم والفلسفات الحديثة مع الخروج على ما وضعته لجان المناهج في وزارة التعليم العالي. لقد سعا التأسيس على نظرية لكنه أخضعها لمدرسة خاصة به، فأدخل مادتي القصة والرواية وجعلهما من الموضوعات الرئيسية لطلبة قسم اللغة العربية، انطلاقا من شعوره بما يتسم به هذان الجنسان الأدبيان من بعد حضاري معاصر، وأشارت الى انه بلغ عدد المواد التي أدخلها الى منهاج مقررات قسم اللغة العربية خمس عشرة مادة منها النقد التطبيقي والمذاهب الأدبية (كلاسيكية، رومانسية، واقعية، رمزية)، كما تحدثت عن خطوته اللاحقة وهي الحداثة، وأيضا تحدثت عن تدريسه أن يختار نصوص شعرية لشعراء عرب وأجانب، وأدخل مواد لغة الاعلام والصحافة والاذاعة والتلفزيون والسينما، وكان ينقد النصوص من ناحية المشاهد، مما ساهم في توسيع مدارك الطلبة. أثارت نشاطاته والتي كانت مرصودة من قبل السلطات لأنها تخلق أجواء للجدال والنقاش، وهذا ما أثار رئاسة القسم خصوصا عندما انتقد لجان إعداد المناهج الدراسية في وزارة التعليم العالي كونها تتسم بالمحافظة ولا تمتلك إرادة التغيير.
تحدثت أيضا عن أساليب وطرق الدكتور شجاع العاني التعليمية التي تختلف عن أقرانه، فتعرض للمضايقات كما ان نزعته التحديثية أثارت ريبة لديهم، ففي تدريسه المذهب الواقعي كان يتطرق الى الواقعية الاشتراكية والفلسفة الماركسية وما فيهما من مضامين أيديولوجية وسياسية وهذا ما كان يثير بين الطلبة نقاشات وجدلا فكريا.
بعدها فسح المجال للجمهور للمداخلات، وكانت هنالك العديد من الإشادات من قبل بعض طلبته في الثانوية وفي الجامعة.
وفي الختام، قدم الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لوح إبداع وشهادة تقدير إلى د. شجاع العاني. وبدوره شكر الأستاذ الدكتور شجاع العاني وثمن هذه المبادرة الرائعة.